خاص|| أثر برس بعد الزلزال الأخير الذي ضرب محافظات سورية عدة وفقدان عدد من المواطنين أهلهم وذويهم، تزايدت حالات القلق عند الأطفال، خاصة عند بعض ممن عايشوا تجربة الزلزال لأول مرة، حيث بدت حالات الخوف من أي صوت يصدر أو أي هزة تحدث وظهر القلق من النوم ومن التفكير ومن مشاهد صور تتعلق بالزلزال ومن الذهاب إلى المدرسة والرغبة في البقاء بمكان آمن.
د.غالية أسعيد متخصصة الصحة النفسية، قالت لـ “أثر”: “في البداية يجب قبول بعض مسلمات الحياة، وأحد هذه المسلّمات هي الكوارث الطبيعية، وعلى الأهل (في حال كانوا موجودين) وضع مقاربة هادئة للموضوع، وتشجيع الأطفال على ممارسة حياتهم الطبيعية كما كانت وأن يشرحوا لهم أن هذه الزلازل حادث عابر ولن يتكرر وأن كل شيء سوف يعود إلى حالته الطبيعية؛ كذلك على الطفل أن يعرف ما عليه فعله عند حدوث الزلزال، بعد أن يكون الأهل قد ساعدوه في إيصال المعلومات بلغة سهلة يسهّل على الطفل فهمها واستيعابها”.
وأضافت: “من المهم عدم المبالغة في التعبير عن المشاعر بمفردات مرعبة مثل (مخيف؛ وكارثة، وكل شيء سيقع.. الخ)، فالطفل لا يعرف كيفية التعبير عن هذه المشاعر بعد، وقد لا يستطيع التكيّف معها فوراً، ما قد يؤدي إلى وقوعه في الخوف والقلق والرعب وتسوء حالته النفسية بمجرد سماعه لأي حديث يتعلق بالزلزال، كما يجب ألا نظهر مشاعر الخوف والقلق أمامه لأنها مشاعر معدية، ومهما حاولنا أن نخفي أخبار الزلزال عن الطفل، فهي قد تصادفه في أي مكان حتى في أثناء مشاهدة التلفاز”.
وتابعت د.أسعيد: “فعند رؤية الطفل مثل هذه الأشياء علينا أن نشرح له بطريقة ميسرة، أن هذه الحوادث جزء من حقائق الحياة، وعندما يصل إلى حالة الخوف يجب على الأبوين أن يتحدثا معه، فهذا يساعد الطفل ويؤدي إلى تلاشي الخوف فقد تستمر هذه الحالة على الرغم من محاولات الأبوين أن ينسوها لطفلهم؛ هنا قد نحتاج إلى تدخل المختص النفسي فالخوف أمر معد وحتى لو بدا صغيراً فإنه قد يكبر مولداً مشاكل أكبر في المستقبل لذلك يجب أن نساعده في تخطي هذه الحالة لأنها قد تسبب له أذية نفسية عندما يصبح في مرحلة المراهقة من الصعب علاجها ويظهر دور المتخصص النفسي في احتضان هذه الحالات وخاصة الأطفال الذين فقدوا أحد آبائهم في الزلزال وإيصال فكرة أن الأهل قد ماتوا بسبب هذا الحادث ولا يجب أن نقول (كارثة) وأنها لن تتكرر وأن ما حصل ظواهر طبيعية سببتها الطبيعة ولا علاقة لنا نحن البشر بها”.
وهناك حالة أخرى تحدثت عنها د. أسعيد وهي أنه قد لا يرغب الطفل بالذهاب إلى مكان معين، أو قد لا يرغب بالذهاب إلى المدرسة، أو في مغادرة المنزل، يريد البقاء قرب أهله كل الوقت، يخاف من البقاء لوحده، يلتصق بأبويه حتى يحس بالأمان أكثر، وما يشبهها من العوارض والتصرفات الجديدة عليه، مضيفة: “هنا يجب علينا بوصفنا متخصصين نفسيين التصرف مع هذه الحالات بمنتهى الوعي وتشجيعه على ممارسة حياته ممارسة روتينية وطبيعية وأن الله سبحانه وتعالى يحمينا بمغفرته”.
من جانبها، لينا محمد مختصة نفسية تساعد الأطفال في محافظة اللاذقية على تجاوز أزمة الزلزال، قالت لـ “أثر”: “الأطفال تحدثوا عن صور أهاليهم وهي متأذية هذه المشاهد التي هي في مخيلتهم تجعلهم يصابون بأزمة نفسية خاصة إذا كانوا في عمر أكبر من الطفولة لأنه سيتذكر كل شيء، وآخر شاهد والده أمام ناظريه وأنفاسه الأخيرة تنقضي جراء تهدم الجدار فوقه”.
وتابعت المتخصصة: “فتاة صغيرة أخرى شاهدت عشرات الجثث لأشخاص لا تعرفهم ولكن لا تعلم سوى أنهم كانوا ميتين، هذه بعض من الأحاديث التي أسمعها من الأطفال الموجودين في مراكز الإيواء”.
ولفتت المتخصصة النفسية إلى أنهم سيحاولون مع فريق شكلوه بتقديم أنشطة ترفيهية بالإضافة إلى مساعدة الأطفال على تعلم الثقة بأنفسهم وبالآخرين، ومساعدتهم على الشفاء من صدماتهم، مؤكدة أنه من الصعب العثور على الكلمات المناسبة لإخبارهم بأنهم الآن في أمان لأنهم ما زالوا يعيشون صدمة الفقدان.
وختمت حديثها لـ “أثر”، قائلة: “إذا حصل الأطفال على الدعم المناسب، فسوف يتعاملون مع الأمور تعاملاً مختلفاً، وقد يواصل بعضهم حياتهم كالمعتاد مدى الحياة، وعند عودتهم إلى المدرسة يجب على المرشد النفسي والاجتماعي تقديم الدعم المعنوي اللازم عن طريق أنشطة وفعاليات ترفيهية تجعلهم يعودون إلى ممارسة حياتهم ممارسة اعتيادية”.
وكان عدد ضحايا الزلزال في سوريا قد ارتفع إلى 1250 وفاة و2054 إصابة وذلك في حصيلة غير نهائية، بحسب وزير الصحة.
دينا عبد