خاص|| أثر برس حدثت في الفترة الأخيرة جملة من المتغيرات كان لها أثر خاص على ملف الوجود الأمريكي الغير شرعي في سورية، حيث تبين من خلالها أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تثبيت وجودها على الجغرافية السورية خصوصاً والمنطقة عموماً، وأكثر الأماكن استراتيجية لهذا الوجود هي منطقة شرق الفرات السوري وبالتأكيد لن تتمكن بالقيام بهذه المهمة إلا بمساندة قوات محلية وهي “قوات سوريا الديمقراطية” وإقليمية مثل تركيا ودول “التحالف الدولي”.
العديد من المسؤولين الأمريكيين أكدوا مؤخراً وعلى العلن أنه لا يمكن أن يتخلوا عن وجودهم شرق الفرات السوري، وهذا ما تحدث عنه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، عندما قال: “إن الولايات المتحدة اتخذت التدابير اللازمة، لمنع دخول القوات السورية إلى شمال شرقي البلاد، وسنواصل جهودنا بهذا الشأن” الأمر ذاته أكده المستشار الجمهوري المقرب من الرئيس الأمريكي لينزي غراهام، وربما يفسر تصريح جيفري، بعض الانتهاكات التي تمارسها “قسد” إلى جانب “التحالف الدولي” شرقي الفرات من منعها للمدنيين التواصل مع جهات مع الدولة السورية وقطعها للمعابر التي تربط مناطق سيطرة “قسد” بمناطق الدولة السورية، إضافة إلى محاولاتها قمع الحراك الشعبي عبر قمع مظاهرات المدنيين ضدها بشراسة واضحة، وافتتاح مراكز عسكرية جديدة لتدريب المزيد من العناصر التابعين للأحزاب المكونة لـ”قسد”، وكان آخرها إنشاء معسكر تدريب على استخدام الطائرات المسيرة، في الوقت الذي يوصف به الحرب في هذا الزمن بزمن الطائرات المسيرة.
كما كُشف مؤخراً عن تقرير أمريكي يثبت وجود تغييرات عديدة طرأت على القواعد الأمريكية غير الشرعية في سورية، نشرته العديد من وسائل الإعلام المعارضة، وتشمل هذه المتغيرات إقامة قواعد جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وتوسعة بعض القواعد القديمة وتدعيمها، وإخلاء بعضها بشكل نهائي، ونقلها إلى أماكن أخرى، حيث لفت التقرير إلى أنه يتبين من خلال هذه المتغيرات أن الولايات المتحدة تعمل على البقاء في سورية لفترة طويلة الأمد.
وذلك يؤكد أن القرار الأمريكي المتعلق بالانسحاب من سورية ما كان إلا مجرد تصريح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أراد منه التودد لتركيا من جهة، والظهور بصورة الحليف القوي لـ”قسد” من جهة أخرى وبالتالي الحصول على تأييد وانصياع لأوامره بشكل أكبر من خلال “قسد” التي ربما تصل إلى تصفية بعض قياديي “قسد” الذين يشددون باستمرار على ضرورة عدم الوثوق بأمريكا كداعم وحليف لهم، وفي الوقت ذاته، يظهر أمام الشعب الأمريكي أنه حاول تنفيذ مطلبهم المتعلق بمنع إرسال الجنود الأمريكيين للعمل خارج البلاد في حين أن ضغوط بعض أعضاء الكونغرس أجبرته على التراجع عن موقفه.
هذه المتغيرات، تؤكد أن الحقيقة هي أن أمريكا لا يمكن أن تتخلى عن “قسد” لأنها ستكون أداتها في هذه المنطقة، وهذه القواعد التي تُنشئها وكل التعزيزات العسكرية التي ترسلها إلى شرق الفرات، يتم إرسالها تحت عنوان تعزيزات عسكرية لـ”قسد” بذريعة مواجهة تنظيم “داعش”.
كما تم الكشف مؤخراً عن المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة من الوجود في تلك المنطقة، حيث أعلن مسؤول أمني عراقي أن الطائرات المسيرة التي قصفت مسبقاً مواقع الحشد الشعبي في العراق انطلقت من مناطق انتشار “قسد” شرق الفرات، إضافة إلى الكشف عن الصفقات النفطية التي عُقدت بين “قسد” والكيان الإسرائيلي برعاية أمريكية، وما خفي كان أعظم أما المستقبل فلا يزال مجهول.
أما بالنسبة لتركيا، فأكد السيناتور الجمهوري لينزي غراهام، أن بلاده لا يمكن أن تتخلى عن تركيا في مهمة تحقيق أهدافها في سورية، لكن يبدو أن مشروع “المنطقة الآمنة” الذي تدعو تركيا لإنشائه لا يندرج ضمن هذه المشاريع، حيث نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر تركية تأكيدها على أن الإجراءات التي تتخذها أمريكا بهذا الصدد مجرد إجراءات شكلية، الأمر ذاته الذي أكده أحد المسؤولين في “قسد” طلال محمد، الذي شدد على أن هذه الإجراءات مرحلية وتهدف من خلاله إعادة التموضع والتأثير في الملف السوري وذلك عبر حلفائها، واشنطن تسعى أيضاً إلى احتواء تركيا حليفتها الاستراتيجية والحفاظ على مصالحها معها، ودور تركيا كعضو في الناتو والتموضع الجيوسياسي لتركيا في المنطقة” مضيفاً أن “هدف واشنطن أيضاً عبر البحث عن آلية أو منظومة عسكرية وأمنية تحقق أمريكا من خلالها التوازن في العلاقة بين حلفائها الخصوم، قسد وتركيا، لتترجمها في حال نجاحها إلى تنسيق وتعاون سياسي، من خلال هذه الرؤية أو الطرح، كما تهدف للمحافظة على التوازن وإيجاد نقطة الالتقاء بين حلفائها بالدرجة الأولى، ومن ثم في حال ترجمته ميدانياً سيؤدي ذلك وبشكل ديناميكي إلى إيجاد آلية تعاون أمنية وعسكرية ثلاثية وقد يكون توسيعاً لغرفة العمليات المشتركة في مرحلة لاحقة”.
يبدو أن أمريكا تسعى للحفاظ على وجود دائم لها في سورية، كما أنها لا تنظر إلى “قسد” وتركيا على أنهما حليفين يجب الحفاظ عليهما فقط، بل تنظر إليهما كأدوات تريد توظيف كل منهما في المكان الذي تجده مناسب، باستخدام المفاتيح اللازمة لكلا الطرفين لتتمكن من جذبهما والحفاظ على قدرتها بالتحكم بهما، ما يشير إلى أن واشنطن كانت موفقة في اختيار حلفاءها، حيث اختارت حليفين يمكن التحكم بهما بسهولة كبيرة جداً، ويمكن جذبهم بتقديم امتيازات بسيطة أو بمجرد تصريح عبر وسائل الإعلام أو إجراء سطحي ليس له أي تأثير عملي على الواقع.
وعند الحديث عن جميع هذه الإجراءات والمشاريع التقسيمية التي تسعى واشنطن لتحقيقها من خلال وجودها الغير شرعي لا بد من الإشارة إلى أن الدولة السورية تشدد باستمرار على أن لديها القدرة الكافية لإخراج جميع القوات الأجنبية من أراضيها التي يفتقد وجودها للشرعية، إضافة إلى تشديدها على استعادة كافة أراضيها، وتبقى المتغيرات الميدانية هي الكفيلة بتحديد وجهة البوصلة السياسية في المراحل المقبلة.
زهراء سرحان