خاص|| أثر برس لعبت أنقرة منذ سنوات دوراً كبيراً في خلق أجواء من التوتر مع دول الجوار والإقليم، خصوصاً بعد أن ركبت موجة الربيع العربي، والأحداث المندلعة فيها سواء في سوريا، أو ليبيا، أو مصر، وغير ذلك من الدول العربية وصولاً إلى خلق التوترات مع الخليج العربي، نتيجة لسياسات التحالف مع قطر والدخول بدوامة من الجفاء مع الدول الخليجية وفي مقدمتها الإمارات والسعودية والبحرين.
وعلى الرغم من السلوك التركي السلبي تجاه عدد من دول الإقليم، إلا أن الخلاف التركي الخليجي سابقاً جاء نتيجة لمواقف أنقرة الداعمة لقطر، وذلك بالوقوف إلى جانب الإخوان المسلمين بعد انقلاب مصر 2013 ما أدى إلى فتور العلاقات مع الخليج، يضاف على ذلك تبني الموقف السياسي مع الدوحة وإنشاء قواعد عسكرية لها في قطر، وإمداد جسر جوي يربط البلدين، ما عزز من التوترات بين تركيا حليفة قطر والخليج.
فرصة اقتصادية:
ومع انطلاق المصالحة الخليجية مع قطر وتركيا، عملت أنقرة على إعادة هذه العلاقات وفق زيارات أجراها الرئيس التركي لدول الخليج، خرج خلالها بصفقات قدرت بمليارات الدولارات، آخرها قبل ثلاثة أشهر ، إذ أعلنت وزارة التجارة التركية عن توقيع مذكرة مشتركة مع مجلس التعاون الخليجي بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين بقيمة 2.4 تريليون دولار.
وعليه لا شك أن اتفاقيات التبادل التجارية بين الخليج وتركيا لا يمكن أن تتم من دون المشاركة المحورية لسوريا، إذ تعتبر بوابة رئيسة للعبور نحو الخليج من تركيا، وعليه تتجه الأنظار الخليجية إلى التقارب التركي مع سوريا بما سيكون له من منفعة اقتصادية على الطرفين.
يرى الباحث العماني والمهتم في الشؤون الاقتصادية أحمد العبد الله، أن البعض من الدول الخليجية تروج للتقارب التركي مع سوريا وترى فيه فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، إذ سبق أن قدم الخليج أدواراً للتقارب الاقتصادي لسوريا مع تركيا قبل الأزمة بين البلدين، خاصة بعد عام 2009 وقتها وسعت أنقرة لنشاطها التجاري مع سوريا، وقدمت الدول الخليجية استثمارات ضخمة في ظل هذه العلاقة النشطة بين البلدين.
الطاقة والتبادل التجاري:
يشير الباحث العماني في حديث لـ”أثر برس” إلى أن التقارب يزيد من الفرص التجارية وتبادل السلع والخدمات من تركيا مروراً بسوريا وصولاً الخليج، كما يضاعف الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية، لافتاً إلى أن ملف الطاقة أحد أبرز الملفات التي تنظر إليها منطقة الخليج كنتيجة للتقارب التركي- السوري، كون البلدين يعتبران ممران هامان لنقل النفط والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وعليه يتم تعزيز التعاون في مجال الطاقة وتطوير مشاريع النقل والتوزيع، وتبادل الخبرات والتكنولوجيا وتعزيز الصادرات والواردات من أوروبا لتركيا إلى سوريا وصولاً للخليج العربي.
ويرى الباحث أحمد عبد الله أن ملف السياحة أحد أبرز الملفات التي يمكن أن تنشط من جديد كونه مرتبط بعودة الأمان والاستقرار بين البلدين، يضاف إلى ذلك الدور المحوري الذي يمكن أن تؤديه دمشق وأنقرة في مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة، مثل “الإرهاب” والتطرف، وبالتالي تعزيز الأمن الإقليمي.
توافق سياسي خليجي
يرى الخبير في الشؤون الدولية من برلين الدكتور أكثم سليمان، أن الخليج ينظر بارتياح لمسار التقارب التركي مع سوريا، خاصة في ظل التغيرات التي طرأت على السياسة الخليجية مع سوريا وعودتها إلى جامعة الدول العربية، يضاف إلى ذلك الارتياح للدور الذي لعبته أنقرة في إعادة علاقاتها مع الخليج، ودور الوساطة الروسية والعراقية وجميعها أطراف آمنة بالنسبة للخليج العربي، لافتاً إلى أن الأجواء خلال السنوات الماضية لم تكن مناسبة إطلاقاً لمباركة الخليج لأي تقارب سوري- تركي.
يشير الخبير من برلين في حديثه لـ”أثر برس” إلى أهمية الدور السعودي بالنسبة للسياسة الخليجية في مسار التقارب، إذ سبق أن يكون للمملكة السعودية دور بالتدخل في الأزمة السورية عبر تبني تيارات معارضة في سوريا ودعمها كـ”الائتلاف” إلّا أن سياسة الخليج خارجياً وتحديداً السعودية تغيرت بشكل واضح، إذ أنهت كافة أشكال الدعم للكيانات المعارضة لسورية، وباتت تمارس سياسة داعمة لوحدة وسيادة البلاد المجاورة، كذلك لم تعد ترى التقارب السوري- الإيراني مشكلة بحكم تقاربها ومصالحتها مع إيران، يضاف إلى ذلك التقارب التركي معها، وجميعها أسباب تبارك سعودياً مسار التقارب.
كما يتفق الدكتور سليمان مع الباحث العماني أحمد العبد الله، بخصوص جزئية التبادلات التجارية، إذ يرى سليمان، أنه خلال سنوات الأزمة انقطعت صلة النقل الخاصة للبضائع عبر سوريا، وعليه يشكل التقارب وإعادة العلاقات بوابة تجارية هامة عبر تركيا وسوريا للخليج ومنه لأوروبا، لافتاً إلى أن الأساس في عملية التقارب مع الجانب الاقتصادي هو تقليل بؤر التوتر في المنطق وهو سبب رئيسي لزيادة الاستثمارات والنشاطات التجارية في المنطقة.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا بلغ خلال العام الماضي ما يزيد عن 26 مليار دولار ما بين استيراد وتصدير، وتتربع الإمارات على عرش هذه الدول من حيث التبادل التجاري مع تركيا بنحو 19 مليار دولار، في حين حلت السعودية المرتبة الثانية بواقع 5.6 مليار دولار، وعليه تجد الخليج سورية معبراً أساسياً يزيد من فرص التبادل التجاري مع تركيا وبوابة أساسية لفتح الطريق تجاه أوروبا.
د. أحمد الكناني