خاص|| أثر برس لم يكن الاستهداف الإسرائيلي الأخير الذي طال مطار حلب الدولي وأدى إلى خروجه عن الخدمة سيناريو عادياً في وقتٍ تعيش فيه المدينة السورية تحت أكوامٍ من النكبات، مستقبلةً إمدادات الإغاثة جرّاء كارثة الزلزال التي ألقت بظلالها على الحجر والبشر.
وحتى الأوساط المعادية للدولة السوريّة، التي كانت تبرر الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السوريّة في الأيام الماضية في أنها جزءٌ من الاشتباك الإسرائيلي – الإيراني في سوريا، أدانت الاعتداء الإسرائيلي، مؤكدةً أن مطار حلب كان خليّة نحل لنقل المساعدات العربية للشعب السوري.
ويأتي الاستهداف الإسرائيلي الثاني من نوعه على مطار حلب الدولي في أقلّ من ستة أشهر، بعدما تسبّب الأوّل الذي وقع نهاية شهر آب من العام الماضي بخروج المطار عن الخدمة لأربعة أيام، غير أنه العدوان الأول بعد نحو شهر من إعلان افتتاح مطار “الجرّاح” العسكري شرقي حلب، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية حينها أن “التمركز الجوي المشترك للقوات الجوية الروسية والسورية في مطار الجرّاح سيسمح بتغطية حدود الدولة وضمان سلامة المدنيين في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في الجمهورية العربية السورية”.
وعلى الرغم من أن الكيان الإسرائيلي استهدف مطار حلب الدولي برشقة صواريخ أطلقتها طائراته من قبالة الشواطئ القبرصية، ووصلت ثلاثة منها إلى مدرّجات المطار وأخرجته عن الخدمة، فإن الدفاعات الجوّية السورية تمكنت من إسقاط البقيّة؛ فأين منظومات الدفاع الجوي التي نشرتها روسيا في قاعدة “الجرّاح” الجوية من طراز “بوك إم 2 إي” و”بانتسير إس 1”، وسط الحديث عن تدعيمه برادارات تغطي حتى مساحة 300 كم من الشمال إلى الجنوب السوري؟
غياب للقرار الروسي
يرى المحلل السياسي كمال الجفا في تصريح لـ “أثر”، أن “قيادة العمليات العسكرية الروسية لم تأخذ قرار بالتصدي المشترك للاعتداءات الإسرائيلية، فاقتصرت عملية التصدي في الفترة الحالية على الرد من الجيش السوري ضمن المنظومات الدفاعية التي يستخدمها”.
وأشار الجفا إلى أن “هناك غضباً في الشارع السوري على الدور والأداء الروسي في سوريا، ولاسيما أن سوريا تتعرض للهجمات الإسرائيلية منذ أكثر من عشر سنوات، وحتى بعد دخول الجيش الروسي إلى سوريا زادت وتيرة هذه الاعتداءات على الرغم من أن اتفاقية التعاون بين موسكو ودمشق لا تتضمن التصدي للعدوان الإسرائيلي، وإنما هي مسؤولية سوريّة.
وأوضح الجفا أن “ما يحدث في سوريا هو جزء من الصراع الدولي، حيث إن الحرب الروسية – الأوكرانية ستحدد مستقبل العالم”، لافتاً إلى أنه “بمواجهة الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا، يجب أن تسمح روسيا للجيش السوري استخدام منظومة S300 التي زُود بها”، مستدركاً: “لكن من غير المعلوم توقيت اتخاذ هذا القرار”.
ماذا عن سوريا وحلفائها؟
أعلنت وسائل إعلام إيرانية في نهاية شباط الماضي أن إيران ستزود سوريا بالرادارات والصواريخ الدفاعية، مثل منظومة “خرداد 15”، لتعزيز دفاعاتها الجوية، في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة.
ومن الواضح أنه بزيارة مسؤولين عسكريين سوريين رفيعي المستوى بمن فيهم وزير الدفاع علي محمود عباس إلى إيران، تم التوصل إلى اتفاق لتصدير طهران معدّات الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية إلى دمشق، وهذا يدل على إصرار الدولة السورية على تعزيز دفاعاتها الجوية بمعزل عن روسيا، فهل وصلت سوريا وإيران إلى قرار استراتيجي بشأن إعادة بناء معادلة ردع ضد الهجمات الإسرائيلية؟
يوضح الجفا لـ “أثر” تعليقاً على ذلك، أنّ “الظروف والوضع الدولي الراهن ربما لا يسمح لدول المواجهة باتخاذ قرار الرد الذي يتمناه السوريون، ولاسيما أننا في مرحلة حساسة جداً، ولربما يدفع الوضع المتأزم في داخل الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى افتعال حرب في المنطقة، وخصوصاً في ظل زيارة الجنرالات العسكريين الأمريكيين إلى حلفائهم”، مشيراً إلى أن “سوريا وحلفاءها قد تنظر في أن هذا الوقت ليس مناسباً للرد وإقامة معادلة ردع”.
وأضاف الجفا أن “سوريا لم تتوقف عن ترميم منظومة الدفاعات الجوية، التي تحمّلت العبء الأكبر”، مرجّحاً أن الجيش السوري يمتلك أسلحةً لن يعلن عنها حتى يأتي قرار بالرد”، متابعاً: “يمكن أن يدفع قرار الرد السوري الآن، الإسرائيليين إلى ردات فعل تدميرية أوسع ليست في وقتها”.
وكانت وزارة الخارجية السورية قد اعتبرت في بيان لها، أنّ “الاستهداف الإسرائيلي يعد جريمة مزدوجة كونه من جهة استهدف مطاراً مدنياً، ومن جهة أخرى استهدف إحدى القنوات الأساسية لوصول المساعدات الإنسانية من داخل وخارج سوريا إلى ضحايا الزلزال”.
وفي طهران، ندّد الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بـ”الاعتداء العداوني واللإنساني” على المطار داعياً “المؤسسات الدولية المسؤولة إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعالة”.
وقال في بيان “بينما يعيش متضررو الزلزال السوري في حلب ظروفاً صعبة، يهاجم الآن الصهيوني مطار حلب وهو الطريق الرئيسي لوصول المساعدات الدولية إليهم وهذا مثال واضح على جريمة ضد الإنسانية”.
وسبق أن كشفت “القناة 12” العبرية، في تقريرٍ استخباريّ يستند إلى تسريباتٍ عسكريّة استخباريّة عن نشر إيران نظام دفاع جوّي جديد في سوريا للتصدّي لأيّ هجمات جويّة إسرائيليّة قادمة، وخاصَّة في محيط دمشق، ويحمل هذا النّظام الجديد المُضاد للطائرات اسم“BWAR 373”.
يشار إلى أن رئيس حكومة الكِيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن في وقت سابق التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن “المصالح الإسرائيلية” في سوريا، في وقتٍ لم يصدر فيه تعليق روسي، على حين تؤكد وسائل إعلام عبرية أن نِتنياهو تربطه علاقات صداقة شخصيّة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا جعله يمسك العصا من الوسط بخصوص الحرب في أوكرانيا.
علي أصفهاني