أثر برس

أين وصلت عملية تأهيل الأسواق القديمة في دير الزور؟

by Athr Press G

خاص || أثر برس بدأت عملية تأهيل ما دمرته الحرب في دير الزور منحىً مُتصاعداً، على الرغم من قلة الإمكانيات الماليّة التي تدعم هذا المنحى، وهنا يبدو التركيز على تأهيل الأسواق التجارية كأحد أبرز أوجه التدخل التي مكّنت من الوصول إلى قلب الأحياء التي طالها التدمير.

تعافٍ للأسواق

يتحدث رئيس غرفة تجارة وصناعة دير الزور لؤي محيميد عن تأهيل ما دمرته الحرب في المحافظة، فيقول لـ “أثر برس”: “كثيرٌ من الأهالي لم يستوعبوا خطوات التأهيل، لاسيما التي طالت الأسواق التجارية؛ فالواقع المعيشي الصعب أغلق دائرة الممكن لديهم، غير أنّ ما اتخذته المحافظة من قرارات بضرورة التوجه نحو الأسواق غيّر في منظور كثيرين من أنه لا بد من إحراز تقدم على هذا الصعيد، أو أن نبقى نراوح مكاننا، فكانت الخطوة الأولى نحو شارع سينما فؤاد التجاري، والذي بات يضج بحركة واضحة بمختلف أنواع المحال التجارية والخدميّة، ثم كان الانتقال إلى شارع “ستة إلا ربع”، والذي جرى فيه تأهيل البنى التحتيّة من شبكات الكهرباء والمياه فالصرف الصحي، ثم تبليط الشارع وتجهيز المحال التي عاد إليها عدد من أصحابها”.

وأضاف محيميد: “إن العمل جار أيضاً لتأهيل سوق “حسن الطه” الذي يتوسط المدينة، إذ تم الانتهاء من أعمال البنى التحتيّة بالكامل، كذلك هو الحال في سوق “الشارع العام”، بعد أن أزالت ورشات مجلس المدينة الأنقاض ونقلتها، وأبلغت أصحاب المحال والتجار بتجهيزها”، مؤكداً أنّ “للمنظمات الدوليّة الناشطة بالمحافظة دوراً فاعلاً في عملية التعافي وحراك التأهيل بدءاً ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (undp) فمنظمة الإسعاف الأولي إلى منظمة “الموئل”، لنصل بحراك التأهيل أخيراً إلى الأسواق القديمة”.

القديمة في عين التأهيل

لم يكن في الحسبان التوجه بالتأهيل إلى أسواق الدير القديمة، حجم الدمار بالمكان والمحيط أعطى تصوراً بصعوبة ذلك، ناهيك عن التكاليف الباهظة، والكلام لـ”المحيميد” الذي أضاف: ”قدمنا مقترحاً بإعادة تأهيل تلك الأسواق لمحافظ دير الزور، وجرى تشكيل لجنة مشتركة تضم غرفة التجارة ومديرية الآثار ومجلس المدينة إضافةً إلى نقابة المهندسين، بدايات العمل كانت بإجراء مسح هندسي عسكري لإزالة مُخلفات الحرب، ثم تمت إزالة الركام والأنقاض وتنظيف المكان، بالتعاون مع منظمة الـ”UNDP” وبالتنسيق مع دائرة الآثار بوصفها جهةً معنيّةً ومواكبةً، كما تم نقل الحجارة المستخدمة ببناء الأسواق إلى مكان آمن، إذ إن أعمال التأهيل تلحظ المحافظة على الطابع التراثي للأسواق، ومسار العمل حالياً بات في محطة الدراسة الهندسيّة، ولاحقاً سيجري الإعلان عنها”.

“المحيميد” كشف عن تفاؤل كبير بالوصول إلى جهات داعمة وممولة لهذا المشروع، وما حمله المرسوم التشريعي رقم 13 أخيراً بات حاملاً فعلياً لهذا التفاؤل: “وضع المرسوم حزمة واسعة من التسهيلات والإعفاءات التي توفر بيئة داعمة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية بأشكالها كافة داخل المدن القديمة، شاملاً ثلاث محافظات من ضمنها دير الزور بما فيها من أسواق قديمة وتراثية”.

إذ أعفى المرسوم المنشآت والمكلفين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية كافة من الضرائب والرسوم المالية والمحلية التي تشمل أعمال الترميم وإعادة التأهيل سواء للمنشآت والمحال أم للمنازل حتى نهاية العام 2023، ونَصّ أيضاً على إلغاء الضرائب والرسوم المالية المترتبة على الأرباح الناجمة عن ممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية داخل المدينة القديمة، إضافةً للإعفاء من ضريبة الدخل على كلّ المستحقات المالية التي يتقاضها العاملون في هذه المنشآت حتى نهاية عام 2027، كما طوى المطالبات المالية والرسوم وبدلات الخدمات ومتمماتها كافة المترتبة على المنشآت وعلى المكلفين وعلى أصحاب الفعاليات الاقتصادية داخل المدينة القديمة قبل تاريخ نفاذ هذا القانون، كما ألغى المطالبات الضريبية المترتبة على ريع العقارات والعرَصات حتى نهاية هذا العام، وألغى أيضاً المطالبات ذاتها التي ستترتب على ضريبة ريع العقارات والعرَصات حتى نهاية 2027.

كما أنه ألغى أجور الاشتراكات وقيم الاستهلاكات وفوائدها وغراماتها العائدة سواء في مجالات الاتصالات أم الكهرباء أم الماء والصرف الصحي.

رئيس غرفة تجارة وصناعة دير الزور أشار إلى أن هذه الإعفاءات والتسهيلات تدعم عودة الإنتاج والعمل والصناعة والحركة التجارية في الأسواق القديمة والتراثية، وتمنح المبادرين بالعودة وتشغيل محالهم امتيازات ماليّة لتسريع عودتهم تمهيداً لعودة الحياة الاقتصادية إلى المدن القديمة”.

ذاكرة واقتصاد

يعود إنشاء أسواق دير الزور لحقبة الوجود العثماني، إذ إنها تتوسط المدينة القديمة (الدير العتيق) وتضم 7 أسواق و3 خانات، بحسب حديث مدير الآثار أحمد الصالح لـ “أثر”، وأضاف: “تضم هذه الأسواق أنواع المهن والحِرفْ والصناعات، وظلت محافظةً على كونها مقصد أهالي المحافظة لتأمين احتياجاتهم، سواء أكانوا من المدن أم من

الأرياف، ومن أنواع الحِرفْ والصناعات أخذت مسمياتها تجد سوق “العطارين، والنّحاسين، وسوق الحبوب أو سوق بيع القمح والشعير والذرة والفول السوداني.. إلخ، وسوق القصابة، وغيرها، وتجد أيضاً تسمية تعود لتاجر اشتهر ببيع شيء ما مثل “سوق خلوف” والذي يختص ببيع الأقمشة والصوف والسمن العربي، وتلفتك أيضاً تسمية سوق “عكاظ” وهو يختص ببيع الألبسة الجاهزة وتجهيز العرائس”.

“الصالح” أكد أن المحافظة على الأسواق بطابعها التراثي، بأنواع الحجارة ذاتها التي بُنيت بها، كذلك الأقواس وسواها، هو من ضمن خطط التأهيل، وستكون بالتصاميم نفسها، لذا تتابع دائرة الآثار الأعمال منذ لحظة انطلاقتها؛ فكانت عمليات تنقيب وفرز الأحجار والكشف عن البوابات، والمتابعة مستمرة حتى مع البدء بالتأهيل.

وخارج شبكة الأسواق ذات الطابع العثماني، يأتي الباحث في التراث “غسان الخفاجي” لذكر أسواق أخرى في كتابه “دير الزور.. عروس الفرات والجزيرة”، فنجد سوق الصاغة القريب من الساحة العامة، وسوق الخشب والحطب والقصب الفراتي في حي الحويقة، والماكف الذي يختص ببيع الماشية من أبقار وأغنام وماعز في حي حطلة بالصالحيّة، وسوق الدباغة، وسوق الكمأة، وغيرها من أسواق شعبيّة، ناهيك عن الحديثة منها والتي كانت قائمةً.

عثمان الخلف

اقرأ أيضاً