خاص|| أثر برس بالتزامن مع احتدام الحديث عن جبهة إدلب، يتصاعد التوتر في الشمال السوري بشكل متسارع، والذي كانت شرارته استهداف مدرعة تركية ومقتل جنديين تركيين واتهام أنقرة لـ”قوات سوريا الديمقراطية-قسد” به، فيما نفت الأخيرة مسؤوليتها عنه مؤكدة أنها لعبة استخبارات تركية، وبغض النظر عن المسؤول عن هذا الاستهداف، فلا يمكن اعتباره بالمسبب الوحيد لهذا التصعيد التركي.
ثمة أحداث عديدة جرت قبل هذا التصعيد أشارت إلى قرارات دولية تدعو إلى فرض واقع ميداني جديد في كل من إدلب والشمال السوري أنذرت بتحولات معينة في المواقف الدولية إزاء العمليات التركية في سوريا، أبرزها كان القصف الروسي الذي استهدف مواقع لفصائل أنقرة بعفرين في 26 أيلول الفائت، وذلك قبل يومين من القمة التي جمعت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي لم تظهر نتائجها إلى الآن على أرض الواقع، إلى جانب الإعلان عن استقالات جنرالات أتراك كانوا مسؤولين عن عمليات عسكرية في إدلب، وغيرها من الحوادث المرتبطة بتشكيلات عسكرية جديدة أنشأتها أنقرة في إدلب وشمالي سوريا، وارتفاع مستوى التصعيد بين “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاءها)” وفصائل أنقرة.
كل ما سبق، يشير إلى أن تركيا الآن أمام جبهتين محتدمتين في سوريا، الأولى هي إدلب، أما الثانية فهي شمالي شرق سوريا.
ماذا عن إدلب؟
بالنسبة لإدلب فإن الأحداث الميدانية فيها بداية بارتفاع وتيرة القصف الروسي والتعزيزات العسكرية التي تصل لكلا الطرفين في الجبهة (الجيش السوري والقوات التركية)، تؤكد أن العملية العسكرية حتمية، وبحسب محللين فإن هذه العملية هي محددة الزمان ومحسومة النتائج، حيث قال المحلل السياسي كمال جفا في حديث لـ”أثر”: “عملياً لا يمكن إلا أن يتم تطبيق ما اتُفق عليه إلا من خلال عملية عسكرية على طريق m4 لأن تركيا لم تعتد أن تطبق اتفاق حتى منذ اتفاق حلب إلا بعملية عسكرية” مشيراً إلى أن “العقلية العسكرية لفصائل أنقرة المسيطرة على الشمال وقناعتها أن تركيا لن تتخلى عنها تجعل منطق الحوار مع الدولة السورية غير وارد بقاموسها، حتى لو كان هناك مصالحة تحت الطاولة، هم مستعدين أن يخوضوا حرب ولا يُقال عنهم أنهم قاموا بتسوية مع الدولة السورية، لذلك لا بد من معركة لتطبيق المرحلة الأولى أو المرحلة المتأخرة من اتفاق أستانة، وهي معركة محسومة النتائج ومتفق عليها في إطارها الزمني”.
والهدف الأساسي من هذا العمل العسكري، هو استعادة الدولة السورية لطريق m4 بالكامل، ما يؤمن فائدة كبيرة للدولة السورية، حيث نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن الناشط المعارض سعيد نصر الدين، قوله: “إن سيطرة الدولة السورية على الطريق الدولية حلب – اللاذقية بمشاركة حلفائها، على الصعيد السياسي، يعني أنها أحكمت سيطرتها على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، ويفتح ذلك لها الباب أمام رفع وتيرة التعاون والتطبيع مع بعض الدول العربية والغربية، أما على الصعيد الاقتصادي، فحتماً سيعود فتح الطريق، أمام حركة النقل البرية المحلية والدولية، بالمنفعة الاقتصادية على الدولة السورية، وتحسين سعر الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وإصلاح الاقتصاد السوري”.
أما عسكرياً، فقال أحد متزعمي فصائل أنقرة إن طريق m4، هو الحد الفاصل بين جنوب إدلب أي جبل الزاوية، وشمالها، وبالتالي في حال تمكن الدولة السورية من السيطرة على جبل الزاوية والطريق، فذلك سيسهل عليهم التمدد غرباً في تلال الكبينة بريف اللاذقية، وشمالاً في مدينة إدلب، ومن ثم نحو الشمال السوري، والسيطرة على كامل محافظة إدلب، بما فيها المنفذ الحدودي مع تركيا، باب الهوى.
ماذا عن الشمال؟
فرضية استعادة الدولة السورية لطريق m4 تعني أن تركيا ستخسر مساحة كبيرة من إدلب، الأمر الذي طرح فكرة أن تكون عملية إدلب متفق عليها بين تركيا وروسيا، على أساس المقايضة بين إدلب وتل رفعت التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” وروسيا في ريف حلب، إلا أنه وبحسب ما جاء في موقع “المونيتور” الأمريكي فمن المستبعد أن تقبل روسيا بمثل هذه المقايضة، أيضاً، وفي هذا السياق قال جفا “: “اليوم التفويض الدولي لتركيا قد سُحب منها بما يتعلق في الملف السوري، وهناك رغبة دولية بتقييد حركة تركيا داخل الأراضي السورية أو تقييد حجم مشاركتها وتدخلها بالملف السوري كما تم تقييد السعودية سابقاً والأردن في ملف الجنوب السوري والوسط، واليوم لم يعد هناك ما يسمى بإعطاء ضوء أخضر لتركيا لاجتياح مناطق سورية جديدة لذلك تم تأخير العمل العسكري، وتركيا تعمل على المناورة للحصول على مكاسب في الشمال السوري وهذا دولياً حتى الآن غير مسموح فيه”.
ما كشف عنه الجفا يعني أن المشروع الذي سبق أن اقترحته أنقرة وجعلته أحد ألوياتها في سوريا تحت مسمى “المنطقة الآمنة” بات غير قابل للتطبيق، حيث يقضي هذا المشروع بأن تسيطر تركيا على الحدود السورية-التركية بعمق 30 كم.
واستبعاد هذا المشروع هو أكثر ما يثير غضب تركيا التي تعتبر أن روسيا لم تلتزم معها بتسليمها منطقتي تل رفعت وعين العرب حيث قال المحلل السياسي كمال الجفا في هذا الصدد: “التصعيد شمالي شرق سوريا قائم بسبب بدء ظهور توافقات إقليمية ودولية عن ضرورة إنهاء الملف السوري واقتراب نقاط الالتقاء ما بين الجانب الروسي والأمريكي هذا أدى إلى انزعاج وعدم رضا تركي في ظل تصاعد الصراعات ما بين تركيا والولايات المتحدة”.
يبدو أن تركيا اليوم في سوريا أمام مأزق حقيقي، ويبدو أيضاً أنه ناتج عن استغلال خاطئ للصلاحيات التي فوّضت بها من قبل الاتحاد الأوروبي في سوريا والبحر المتوسط، ما أنتج رغبة دولية بكف يد أنقرة عن سوريا، وبالتالي تلجأ خلال هذه الفترة إلى التصعيد بخطابها السياسي للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الميدانية، ما قد ينتج عنه عملية عسكرية محدودة، حيث قال الجفا: “سيكون هناك عمل عسكري محدود متفق عليه في الزمان والمكان ومحدد الإطار والمساحة”.
وعليه بات من الواضح أن المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة جرّت أنقرة إلى تصعيد عسكري محسوم النتائج على عدة جبهات في الشمال السوري، لتكشف المجريات الميدانية التي سنشهدها في الأيام المقبلة كيف ستكون طبيعة المشهد الميداني في تلك المنطقة.
زهراء سرحان