أثر برس

إشارات استفهام كثيرة حول قانون الإعلام الجديد في سوريا

by Athr Press G

خاص || أثر برس حصد مشروع قانون الإعلام الجديد الذي تجري مناقشته في مجلس الشعب، انتقادات واسعة من قبل شريحة كبيرة من الإعلاميين والصحفيين السوريين الذين اعتبروا أنهم مستبعدون عن قرار يخصهم، بشكل يوحي بتغييبهم عمداً عن نقاط لن يقبلوا بها إن تم أخذ رأيهم.

وتقاطعت آراء إعلاميين وصحفيين عدة خلال حديثهم مع “أثر” حول عدم صلاحية بعض النقاط التي تم الكشف عنها من قبل رئيس اتحاد صحفيي سوريا موسى عبد النور في حوار مع “أثر”، إذ كشف عن مواد تم حذفها من مشروع القانون تمس بالصحفي أولاً وبمهنة الصحافة كلها ثانياً.

تقول الإعلامية هناء الصالح (مديرة البرامج السياسية في قناة سما) بحديثها مع “أثر”: تفاجأنا نحن الصحفيين مثل أي مواطن سوري بتسريب عدد من بنود مسودة قانون الإعلام وكأنه سر خطير لا يجب الاطلاع عليه في الوقت الذي يجب أن يكون للصحفي كلمته في قانونه قبل غيره لأنه يعلم طبيعة العمل سلبياتها وإيجابياتها، وتحويل الصحفي إلى موظف (مع احترامنا للموظفين)، لكن طبيعة عمل الصحفي مختلفة وتعتمد على الإبداع والهوامش ولا يجوز تقييد إبداعه، فتكفيه الظروف اللوجستية الصعبة التي يعيشها “لا نريد زيادة الطين بلة”.

وتطرقت الصالح لبعض النقاط المتعلقة بقانون الإعلام الجديد، أولها: إذا كان اتحاد الصحفيين والوزارة وأعضاء اللجنة سابقاً ليس لهم علم بحذف بعض المواد، من الذي حذف إذاً ومن يحق له ذلك!

ثانياً: من المفترض أن تطرح المسودة قبل إقرارها ويجب سماع رأي الصحفيين في إضافة أو حذف أي مواد، حيث لا يمتلك أحد الحق في هذا التقييد لأن غالبية الصحفيين في سوريا يعلمون متى وكيف وأين يجب أن يتحدثوا.

ثالثاً: لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يفشي الصحفي بمصدره وكان الموضوع مؤطراً بالقضاء، وعدم تفتيشه أو تفتيش مكتبه إلا بظروف معروفة سابقاً، كل ذلك لم يعد موجوداً، وهذا تحول خطير يحد من المبادرة ويترك المجال للمتنفذين وبعض الفاسدين بتهديد الصحفي الذي يبحث عن الحقيقة.

رابعاً: ما يتعلق منه بعمل المؤثرين والفاعلين على السوشيال ميديا هؤلاء باتوا واقعاً ملموساً لا يجب تجاهلهم، ولهم متابعون ولهم وجود فاعل بهذا البند، أوافق بالتعامل مع هذه النقطة وهؤلاء الشباب الفاعلون المبادرون، بشرط أن يكون لهم نظام داخلي خاص بهم ينظم هذه العملية لأن طبيعة عملهم مختلفة مع طبيعة عمل الإعلامي والصحفي.

كما طالبت الإعلامية هناء الصالح بتحديد من هو الإعلامي أو الصحفي، ببنود واضحة ومعينة وليست تقليدية كما كان سابقاً، مؤكدةً أن للإعلامي رأياً كممثل للسلطة الرابعة حين تسلبه هذا الرأي.

وتضيف الصالح: قد تذهب الأمور مع تقادم السنوات إلى مكان آخر، لذا يجب على المعنيين الأخذ بعين الاعتبار قبل إقرار القانون عدد الصحفيين الكبير الذين اعترضوا على حذف مواد وإضافة مواد، فإذا كان هؤلاء غير راضيين فمن يستهدف القانون؟، علماً أن هناك بعض الصحفيين يكتفون بالحديث بالخفاء والدوائر الضيقة عن عدم رضاهم عن القانون المزمع.

بدوره، الصحفي رضا الباشا (مراسل قناة الميادين في سوريا) يوضح لـ”لأثر” أنه –شخصياً- يرى أننا أمام قانون يبحث أكثر عن تكبيل عمل الصحفيين ولسنا أمام قانون عصري يخشى القائمون على سن بنوده من الكشف عن أي نقطة فيه ويخشون من مناقشته مع أصحاب الشأن الذين سيطبق عليهم هذا القانون.

ويضيف: “فعلياً إلى الآن نحن نسمع بعض التسريبات وهي نقاط كارثية وتعتبر تقييد أو تكبيل للعمل الصحفي في سوريا.. في الواقع العمل الصحفي اليوم ما يزال يواجه تحديات وصعوبات كثيرة على الرغم من أن قانون الإعلام الحالي يعطي للصحفي بعض المناورة والقدرة للتحرك، ولكن للأسف بعد صدور قانون جرائم المعلوماتية والإلكترونية واستخدامه كسلاح لتكبيل الصحفيين، كنا نتوقع أن يكون قانون الإعلام الجديد فيه هوامش حرية وفقرات تضمن للصحافة حرية، وتمنع تطبيق قوانين أخرى على المادة والرأي الذي يكتبه ولو كان على صفحته الشخصية على وسائل التواصل بما أنه صحفي معتمد من قبل وزارة الإعلام أو اتحاد الصحفيين أو حتى إن كانت الوسيلة التي يعمل لصالحها معتمدة أصولاً كوسيلة إعلامية”.

ويرى الصحفي الباشا أن حجم التضييق في القانون الجديد سيكون كبير جداً ويدعم التضييق الممارس عن طريق تطبيق قانون جرائم المعلوماتية على الصحفيين، ولعل الدليل الوحيد على ذلك هو التكتم الشديد على مشروع القانون وعدم عقد أي ندوات أو لقاءات أو حتى توجيه دعوات حقيقية لأكبر طيف ممكن من الصحفيين للاطلاع ومناقشة فقرات هذا القانون”.

“أعتقد أن ما كشفه الأستاذ موسى عبد النور (رئيس اتحاد الصحفيين) من حذف لفقرات في مشروع القانون تؤكد المخاوف التي نعيشها كصحفيين، شخصياً لفتني حذف كلمة مستقل من الفقرة “الإعلام بوسائله كافة مستقل يؤدي رسالته بحريّة” إلا أن المشروع الحالي حذف بالصياغة كلمة مستقل هل يعني أن القانون سيسلب الصحافة استقلالها ويجعلها تباع وتشترى أو يبرر تبعيتها لمسؤول فاسد؟ هذا يعني أننا نقونن فساد الصحافة”، بحسب رضا الباشا.

وعن حذف الفقرة المتعلقة بحماية المصادر وعدم مطالبة الصحفي بالكشف عن مصدره، يقول الصحفي الباشا: “هل يعقل حذف مادة بهذه الأهمية؟ ولصالح من؟” مؤكداً أنه لا يجب حذف المادة القانونية التي كانت تتيح للصحفي أن يحمي مصدره ولا يكشفه إلا بشروط خاصة جداً.

أما الإعلامي حازم شحادة (رئيس تحرير إذاعة نينار) يقول لـ”أثر” إنه “من خلال الاطلاع على بعض بنود مشروع قانون الإعلام الجديد والذي وصلني كغيري “فيسبوكياً” أو عبر تسريبات خجولة من زملاء لنا في الوسط، تلقيت بداية “طاقة سلبية” كبيرة ومستفزة إلى حد كبير، من شكل وطريقة طرح ووصول هذا المشروع “الجديد” إلينا، والذي أجزم أن جزءاً كبيراً من زملائنا يشاركونني في هذا الشعور، وهذا الإجماع شبه التام هو ما عبر عنه اتحاد الصحفيين والذي صرح بأنه حتى هو لا يعلم من هي الجهة المسؤولة عن حذف بعض المواد في المشروع الجديد، وهو الذي يعمل حالياً رأس حربة لتحقيق مشروع “يلبي الطموح” ويحقق “نقلة نوعية” في الإعلام السوري”.

ويضيف الإعلامي شحادة: بعد الاطلاع على جزء من مسودة القانون الجديد، الذي انتظرناه أشهر، أجد أن لا معايير واضحة مصاغة لتمكين الإعلامي من إنجاز عمله بيسر وبأمان قانوني تام، بل على العكس تماماً، وبموجب مشروع القانون الجديد يجب على الصحفي أن يعد للعشرة قبل المضي قدماً بنشر مشكلة ما أو تصريح ما أو رأي ما أو ربما حل ما قد لا يكون على مقاس “جهة إدارية” ما، بل وجدنا تأطيراً “قانونياً” لعمل الصحفي، واتساع مساحة الإدانة والتقييد على العمل لنا، وهذا ما نلمسه دوماً خاصة لجهة تخوف الجسم الحكومي من العمل الصحفي، وهو ما قد نجده -أحياناً- مبرراً، ولطالما عملنا مع جميع المؤسسات بمنطق الوسطية والحيادية “خد وعين” تبعاً لمقتضيات المرحلة والأخذ بعين الاعتبار صعوبات العمل لديها، والتي كنا ننقلها للشارع، فيما على جبهة أخرى كنا ننتقد ونطرح مشكلات وتجاوزات البعض التي تخلق مشكلاً لقضايا أساسية تمس المواطن.

ويرى شحادة أن ما يهم الصحفي حالياً هو بيئة عمل قانونية مناسبة تضمن حماية حقوقه وحماية عمله وتيسيره بدءاً من تسهيل المهمات الميدانية من قبل الجهات المعنية وصولاً لحرية النشر والرأي مروراً بحماية الصحفي ومصادره، وهو ما لم نجده في بعض البنود للقانون الجديد.

“كما أنه من الثابت حالياً في العمل، سطوة وسائل التواصل الاجتماعي على العمل الإعلامي، ولست شخصياً ضد أي عامل في هذا المجال، ولكني مع عدم مساواة الصحفي بالناشط أو المؤثر، ومع عدم شرعنة عمل وسائل التواصل الاجتماعي وترخيصها حتى كمنابر من قبل وزارة الإعلام” بحسب شحادة.

من جهته، الصحفي الاقتصادي زياد غصن يرى خلال حديثه مع “أثر” أن مشروع القانون الحالي يشكل تراجعاً كبيراً عما نص إليه القانون المتبع حالياً، وهناك كثير من الملاحظات التي يمكن تسجيلها، وأنا كنت قد أشرت في مقال نشر في موقع “أثر برس” في تشرين الأول الماضي إلى مجموعة واسعة من تلك الملاحظات أبرزها:

ما نصت عليه المادة 15 في الفقرة (ج) لجهة شرعنة الإجراءات التي كانت تلجأ إليها بعض إدارات المؤسسات الإعلامية الرسمية من إيقاف صحفيين لديها عن العمل لأسباب يقال عادة إنها مهنية فيما هي عملياً رضوخ لضغوط كانت تأتي من هنا وهناك، فقد نصت تلك الفقرة على جواز إيقاف الصحفي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بحجة “تداول أو نشر أي معلومات أو أخبار كاذبة أو ملفقة لم يقم الإعلامي بتوثيق مصدرها الأساسي”، وكذلك بحجة” كل ما يحظر نشره وفقاً للقوانين والأنظمة”.

وليس هذا فحسب، فما تضمنه القانون النافذ حالياً من توفير بعض الحصانة للصحفيين تم شطبها كالمادة 101 من القانون الحالي، والتي نصت على أنه “في جميع الأفعال التي تشكل جرائم ويقوم بها الإعلامي في معرض تأدية عمله باستثناء حالة الجرم المشهود لا يجوز تفتيشه أو تفتيش مكتبه أو توقيفه أو استجوابه إلا بعد إبلاغ المجلس أو فرع اتحاد الصحفيين لتكليف من يراه مناسباً للحضور مع الإعلامي، ويجري في حالة هذه الجرائم إبلاغ المجلس أو فرع اتحاد الصحفيين بالدعوى العامة المرفوعة بحق الإعلامي وجميع الإجراءات المتخذة بحقه”.

كما ويتجاهل مشروع القانون الجديد حقوق شريحة الصحفيين المستقلين بالعمل، وذلك بحصره تأدية الإعلامي الذي هو خارج الجهات العامة لعمله إما “بواسطة بطاقته الصحفية الصادرة عن الاتحاد بصفة عامل أو متمرن، أو البطاقة الصادرة عن الوزارة”.

التعديل الأهم الوارد في مشروع القانون المقدم لمجلس الشعب ما تضمنه الفرع السابع، والمتعلق بالأنشطة الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يُخضع المشروع الجديد “ممارسة الأنشطة الإعلامية الاحترافية على وسائل التواصل الاجتماعي للاعتماد وفقاً لأحكام هذا القانون”، محدداً الأنشطة التي يطلب من أصحابها الحصول على الاعتماد بـ”الصفحات والتطبيقات والمنصات التي تقوم بتداول وعرض المواد المرئية والمسموعة والمقروءة، والصفحات المتخصصة للإعلانات الإلكترونية والمواقع الإعلانية الإلكترونية”.

ويحدد شروطاً لطلب الاعتماد مع إلزام الصفحات بمحظورات النشر الواردة في مشروع القانون، وهذا يمثل جوهر الأهداف الحكومية من تعديل قانون الإعلام وقبله قانون الجريمة الإلكترونية، علماً أن القانون الحالي لم يلزم المواقع الإلكترونية بالحصول على ترخيص أثناء مزاولتها عملها وإنما ترك لها حرية الحصول على اعتمادية لتسهيل عملها الإعلامي، وكانت نظرة اللجنة آنذاك أننا مقبولون على فضاء جديد من التواصل الاتصال، ولا يمكن ضبطه بإجراءات إدارية.

التعديل الثالث يتعلق بمنح وزير الإعلام صلاحية تشكيل لجنة برئاسة قاض يسميه وزير العدل مهمتها النظر بالمخالفات واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين وفقاً لأحكام هذا القانون، وتكون قراراتها نهائية ومعجلة النفاذ وقابلة للطعن أمام محكمة القضاء الإداري خلال مهلة 10 أيام من تاريخ تبليغها.

وفي ضوء حذف مشروع القانون للمواد المنصوص عليها في القانون النافذ حالياً، والمتعلقة مثلاً باختصاص محكمة بداية الجزاء ومحكمة الاستئناف بالنظر في القضايا المعروضة أمام القضاء والمتعلقة بمخالفة أحكام القانون، فهذا يعني نقل اختصاص القضاء إلى لجنة مشكلة في وزارة الإعلام، ولا نعرف مدى دستورية مثل هذا الإجراء، علماً أن وزارة الإعلام كانت قد اقترحت، وأثناء نقاش تعديل قانون الإعلام في العام 2019، تشكيل “ضابطة عدلية” وتم رفضه من قبل اللجنة المشكلة آنذاك، وكانت حجة الوزارة آنذاك ضمان استيفائها للغرامات المنصوص عليها بالقانون بدلاً من ذهابها إلى الخزينة العامة كما هو المطبق حالياً!

باختصار مشروع القانون بحاجة إلى إعادة صياغة كاملة من جديد، وذلك في ضوء التكرار وإيراد كثير من المصطلحات والعبارات “الفضفاضة” التي لا يوجد لها تعريف أو تحديد واضح قابل للقياس عند الرغبة بتقييم أي عمل إعلامي، فمثلاً ما هي القيم الوطنية للمجتمع السوري، وما تعريف الهوية الوطنية، وما المقصود بحرمة النظام العام، وأين ميثاق الشرف الإعلامي الذي نص عليه القانون الحالي الصادر منذ 12 عاماً ولم ير النور.

وكان رئيس اتحاد الصحفيين موسى عبد النور أكد لـ”أثر” وجود تعديلات وحذف مواد من المشروع الجديد، مضيفاَ: “لا نعلم عند أي جهة تم الحذف، لكن هذا المشروع لا يلبي الطموح على الإطلاق، وفيه تراجع كبير فيما يتعلق بالبيئة التشريعية لممارسة مهنة الإعلام في سوريا”، كاشفاً عن بعد هذه النقاط في تقرير نشر أمس في “أثر برس”.

غنوة المنجد

اقرأ أيضاً