دخلت الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوبي سوريا يومها الحادي عشر، وسط محاولات من “شيوخ العقل للطائفة الدرزية”، من ضبطها بعد انحرافها عن مسارها المرتبط بالوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، إذ بات المحتجون يرفعون شعارات وأعلام تحمل رموزاً طائفية وسياسية.
عند متابعة ما يجري في السويداء يمكن ملاحظة عوامل عدة، منها ما يرتبط بمطالب المحتجين أو بالتغطية الإعلامية لما يجري في المحافظة، أو موقع المنطقة وطبيعة سكانها، وطريقة تعامل الدولة السورية معها بعد تبدل شعاراتها.
فيما يتعلق بمطالب المحتجين، يشير المحلل السياسي أحمد الدرزي، في مقال نشره موقع “الميادين نت” أن هذه الاحتجاجات كانت متوقعة “إثر تعاظم تأثير العقوبات الخارجية المترافقة مع ازدياد التدخل الأمريكي والغربي في ساحات داخلية عدة من جهة، واستمرار السياسات الداخلية الضاغطة على السوريين وغياب المقاربات الضرورية والملحة لانتشال سوريا من المخاطر المحدقة بها من جهة ثانية”.
على حين نوّه الدرزي، بأن رفع علم الطائفة الدرزية، وعلم الانتداب الذي وضعه الاحتلال الفرنسي في أثناء احتلاله سوريا، وطرح مسألة الإدارة الذاتية التي فُهمت على أنها مطالبة بشكل من أشكال الاستقلال لجماعة سكانية سورية ذات هوية دينية واحدة، هي أخطاء ارتكبها المحتجون وأحرجت وجهاء المحافظة، وقال: “أربكت هذه الأخطاء القيادات السياسية والروحية في محافظة السويداء، خصوصاً أن الرهانات المعوَّل عليها هي تمدد الحراك إلى بقية الداخل السوري، بوصف أن الأرضية الداخلية مهيأة لانتقاله وفق التصور السائد، ولكن ما حدث كان معاكساً، فردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي كانت حادَّة وأخذت صفة التخوين من منطلق استقطابات هويَّاتية فرعية بأغلبها”.
وفي هذا السياق، أشار الكاتب السياسي اللبناني كمال ذبيان، في مقال نشرته صحيفة “الديار” اللبنانية إلى أن ما يجري مرتبط بمشروع أمريكي يشمل منطقة حدود العراق- سوريا- الأردن، ونقل عن مصدر دبلوماسي -لم يسمه- قوله: “إن هناك نشاطاً أمريكياً في سوريا والعراق والأردن وكذلك في لبنان، فاستقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مؤخراً رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الفريق أول مارك ميلي، وبحث معه الوضع في المنطقة والتعاون بين البلدين، وعودة العمل في غرفة موك التي تضم تحالفاً أمريكياً – عربياً، كان يدير العمليات العسكرية في سوريا، كما أن نائبة مسؤول الشرق الأوسط وإفريقيا في الخارجية الأمريكية بربارا ليف التقت وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وحضر ثلاثة نواب أمريكيين إلى شمالي وشرقي سوريا، واستطلعوا أوضاع المنطقة، وهذا ما يؤكد أن أمريكا قررت استمرار الحرب على سوريا، ومن بوابة جنوبها”.
لماذا السويداء؟
لفت المحلل السياسي الدكتور أحمد الدرزي إلى أن “السويداء كانت أكثر المناطق المرشحة لحدوث حراك معارض بحكم ثقافتها التاريخية الحاكمة لها في تحديد خياراتها السياسية التي غلب عليها الطابع الوطني، فقد واجهت العثمانيين، وكان لها دور بارز في مقاومة الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش الذي رفض عرضاً بريطانياً للانفصال عن سوريا”.
وفيما يتعلق برد فعل الدولة السورية مما يجري، والإجراءات التي تتخذها، أشار الدرزي في “الميادين نت” إلى أن “دمشق استطاعت أن تمتص صدمة هذا الحراك، بعدما رأت الأعلام التي تُرفع، ولم تتدخل أمنياً في هذه المنطقة شديدة الخصوصية والحساسية، وتأكدت أن رفع الأعلام الخاصة كفيل بتشكيل حاجز يحاصر أي إمكانية لنجاحه وتمدده، بما في ذلك إمكانية إقامة كيان شبه مستقل في منطقة فقيرة الموارد، إلا مواردها البشرية التي تستمر بالنزيف والتدفق نحو بلاد المهجر منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن”.
الأمر نفسه أكده الناشط الإعلام ريان معروف، في السويداء، إذ قال في تصريح نقلته شبكة “CNN” الأمريكية: “يبدو أن قوات الأمن تحاول احتواء الأمور من دون إثارة اشتباكات، وهذا واضح للغاية من الطريقة التي تتصرف بها السلطات، على الأقل حتى الآن”.
وفيما يخص التغطية الإعلامية للحدث، نشر الصحافي السوري جانبلات شكاي، مقالاً تحليليلاً في مركز “رصد للدراسات” أضاء فيه على أهمية وخطورة الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة متخذاً من قناة “الجزيرة” القطرية مثالاً، إذ قال: “لقد ضربت (الجزيرة) على شكل إعصار، الشارع العربي في معظمه، وقلبت كثيراً من المفاهيم الإعلامية التي اعتادها عامة الناس، بل والحكومات العربية، في عقود مضت، وآلية الإبهار التي عملت لتنفيذها في نشأتها، ثم رسختها في السنوات اللاحقة، حتى حازت “موثوقية” لا مثيل لها، بنيت أساساً من خبرات مستقدمة في الغالب من شبكة بي بي سي اللندنية، تم حشد كل الإمكانيات الفنية والمالية لها لتحقيق هذه النتيجة، وفق ذهنية مقتنعة بجدوى وقوة الإعلام لترويج سياسات الدولة ومصالحها على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، لدرجة التندر والقول إن (الجزيرة) باتت محطة لديها دولة، وليست دولة لديها محطة فضائية، فمن كان يسمع بقطر قبل (الجزيرة)”.
وأكد شكاي أن “غرف صنع القرار تلك، تعي تماماً ما بات للإعلام من دور على المستوى العالمي، حتى تحولت هذه المهنة لتصبح أهم من أي مهن أخرى، فالإعلام أول أداة أو سلاح لتنفيذ الأجندات السياسية لتلك الدول، ومن هذه الزاوية بات الإنفاق عليه خيالياً مقارنة بمهن أخرى، وربما خير مثال على ذلك ما يتم إنفاقه على الأفلام المنتجة في هوليود منذ عقود طويلة، حتى استطاعت هذه المؤسسة ومن يدعمها، تشكيل الذوق العام العالمي والتلاعب فيه، بل وإعادة كتابة التاريخ”.
واندلعت الاحتجاجات في السويداء، بعد القرار الذي أصدرته الحكومة السورية والذي يقضي برفع سعر مادة البنزين بنسبة تتجاوز الـ150%، وذلك في ظل سيطرة القوات الأمريكية على أغزر حقول النفط والغاز في البلاد، وهذا أجبر الدولة السورية على التوجه إلى خيار استيراد المواد النفطية لتلبية احتياجات سوريا منها.
زهراء سرحان- أثر برس