نشأ تنظيم “داعش” مع أجندته الإعلامية التي روجت إلى عدوانيته وزرعت فكرة الترهيب والتخويف من وجوده، وباتت المشاهد التي تنتشر على وسائل الإعلام والتي تُظهر المجازر التي يقترفها التنظيم بحق الجميع، تبدو وكأنها مشهد من فيلم هوليودي يتمتع بإخراج محترف.
هذه المشاهد التي أخرجتها الأجهزة الاعلامية للتنظيم تمكنت من زرع فكرة الخوف من “داعش”، والتي كانت تُظهر وحشية هذا التنظيم بحق البشرية، والتي لم يكن هدفها القتل والتعذيب الجسدي فقط، بل كانت باحترافية عالية في الحرب النفسية وخصوصاً بالتأثير على الأطفال، حيث أصدرت المنظمات الحقوقية الدولية تقارير عديدة تشدد على ضرورة تقديم الرعاية النفسية الكاملة للأطفال الخارجين من مناطق كان ينتشر فيها تنظيم “داعش” وكان آخرها تقرير لمنظمة “سيف ذا تشيلدرن” التي تتواجد في مخيم “الهول” للنازحين السوريين، قالت فيه: “الأطفال تظهر عليهم علامات أزمة نفسية، لا سيما أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، وعوارض هذه الأزمات النفسية تتنوع بين العصبية والعزلة والعدوانية والكوابيس والتبوّل اللاإرادي”.
كما أن الأمم المتحدة منذ عام 2017 شددت على أن الجرائم التي ارتكبها التنظيم بحق المدنيين في سورية والعراق ترتقي إلى مستوى جرائم دولية، دون اتخاذ أي إجراء عملي.
العديد من المدنيين الخارجين من مناطق انتشار “داعش” تحدثوا عن طبيعة الانتهاكات بحقهم، حيث يجبر طفل على رؤية أبيه يُقتل أمامه لجرم ربما يكون التدخين، وفتاة لم تتجاوز الـ14 عاماً تساق “جارية”، وأم تفقد ولدها لتجده فيما بعد مرمي في إحدى المقابر الجماعية التي يُنشئها التنظيم.
وفي ظل جميع هذه الانتهاكات، يصل “التحالف الدولي” تحت عنوان “المخلص من داعش” ويبدأ بشن غاراته على مناطق شرق الفرات السوري، بحجة القضاء على التنظيم.
ولتفنيد مزاعم “التحالف”، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية تقريراً أكدت فيه أن غارات “التحالف” تستهدف المدنيين بدل من استهدافها لمسلحي “داعش” في ريف دير الزور، و”المرصد” المعارض أكد أمس أنه بالرغم من إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” القضاء على “داعش”، إلا أن غارات “التحالف” لا تزال مستمرة على قرى ريف دير الزور، ولا تزال تصل عربات مخصصة لنقل مسلحي التنظيم إلى بلدانهم.
في هذه المرحلة، يحتل الحديث عن مصير مسلحي “داعش” الساحة الإعلامية، خصوصاً الجانب الأمريكي الذي يحاول إقناع الدول الأوروبية بضرورة استلام المسلحين الأجانب، أما حال المدنيين والجيل المدمر نفسياً الذي خرج من هذه المنطقة فيُغيب الحديث عنه تماماً.
في المحصلة لا يمكن تغييب التقارير الإعلامية التي نُشرت على الإعلام والتي تؤكد التعاون بين “داعش” وأمريكا وأخيراً ما كشفته صحيفة “الحياة” السعودية عن أصل فكرة هذا التنظيم، حيث نقلت عن وثائق سربها الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، أن أجهزة مخابرات كل من بريطانيا والولايات المتحدة و”إسرائيل” تعاونت لخلق تنظيم “إرهابي” قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، في عملية يرمز لها بـ “عش الدبابير”، ما يظهر بوضوح الأطراف التي تتحمل مسؤولية كل ما جرى بسبب ما يسمى “داعش”.
في هذه المرحلة تنظيم “داعش” يخرج من سورية والأحاديث تدور لضمان مصير جيد لمسلحيه، في حين وجود جيل كامل دفع الثمن وانتهى الأمر بقتله مثل الخمسين فتاة اللاتي وجدت رؤوسهن في أراضي شرق الفرات، وهناك من لا يزال يدفع الثمن بسبب الأثر النفسي الذي سببته انتهاكات التنظيم ما يجعله بحاجة إلى تأهيل قد يستغرق سنوات، و”قسد” لا تزال ترى أن الحل يكون بنقلهم إلى مخيمات في ريف الحسكة، تعاني بدورها من وضع إنساني مأساوي كان آخرها وفاة ما يقارب 73 نازح في تلك المخيمات غالبيتهم من الأطفال نتيجة الوضع الصحي المتردي، وفقاً لما نشرته “منظمة الصحة العالمية” اليوم.