لا شك أنه مهما بلغت خلافات الفصائل الكردية مع السلطات السورية فإنها لن تصل في يوم من الأيام إلى مستوى علاقة العداء الكلاسيكي الإستثنائية التي تجمعها بتركيا وإذا أردنا أن نزداد تبصراً في الوضع الكردي وجذوره، فعلينا الرجوع بالذاكرة إلى الوراء، حيث كان هناك مشروع غربي يتطلع إلى الاستثمار في كيان كردي مستقل يكون مركز لتوليد المشاكل في الشرق الأوسط ويستدعي حضوراً غربياً دائماً لحل تلك المشاكل، أوقف المشروع آن ذاك بسبب الهوى الكردي الذي كان ميالاً نحو الإتحاد السوفييتي والشيوعية.
مع تصاعد التدخل الأمريكي في المنطقة واجتياح العراق عام 2003 بعد سنين من تفكك الإتحاد السوفييتي وانطفاء الوهج الشيوعي، ظهر كردستان العراق بإشراف أمريكي تزامن مع قلق وحذر تركي كان واضحاً للجميع، هذا القلق تجاه أكراد العراق تحول مع اندلاع الحرب السورية إلى هستريا تجاه أكراد سوريا أصابت الأتراك وامتدت على طول الحدود السورية التركية ،وأدى -بشكل أسعد المسؤولين في دمشق-إلى توتر العلاقات التركية مع الحليف الإستراتيجي الأمريكي.
لعل أحد أهم الأخطاء القاتلة للفصائل المعارضة، كان إشهارها العداء للقوات الكردية على خلفية الدعم التركي لتلك الفصائل، مما ساهم في ازدياد تعقيد المشهد المعقد أصلاً وأبرز نظرة استراتيجية كردية تجلت في التنسيق مع الروس على مستوى عال ساهم في قربهم من السلطات السورية والتنسيق الأمني معها، فالأكراد السوريون يدركون بشكل أو بآخر أن شهر عسلهم المؤقت مع الولايات المتحدة سينتهي ما إن تبدأ الأخيرة بإصلاح علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا بعد زوال “داعش” ككيان مادي.
من يبحث قليلاً في تاريخ علاقة الأكراد مع السلطات السورية، يلاحظ توتر العلاقات بشكل واضح خلال السنوات السابقة للحرب السورية كما يلاحظ حضوراً كردياً لا يستهان به في المشهد الديني السوري الرسمي، فالشيخ أحمد كفتارو الذي شغل منصب المفتي العام ورئيس مجلس الإفتاء الأعلى لسورية لفترة طويلة والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي شكل مرجعية لطلاب الشريعة في سورية لسنوات وغيرهم، هم أكراد سوريون ومازالوا حاضرين في الذاكرة السورية بشكل أو بآخر وغيرهم الكثير.
على مايبدو أن التجاذبات الإعلامية التي تظهر من حين لآخر بين القيادات الكردية ودمشق هي نتيجة لطبيعية العلاقة بين الطرفين التي أفضل ما يعبر عنها أغنية مشهورة قديمة نسبياً للفنانة نانسي عجرم “أخصمك آه.. أسيبك لا.. وجوى الروح حتفضل حبيبي اللي أنا بهواه!” ويبقى تقادم الأيام خير كاشف لماخفي.