أصدرت السلطات التركية تعليمات لجماعة “الإخوان المسلمين” بوقف انتقاد مصر من الفضائيات التابعة لها في اسطنبول، بعد تصريحات رجب طيب أردوغان الأخيرة التي جاءت بمحاولات للتقارب مع القاهرة وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وكشفت مصادر مطلعة، أن السلطات التركية أصدرت توجيهات بإيقاف البرامج السياسية على الفضائيات التابعة لـ “الإخوان المسلمين” والتي تبث من اسطنبول أو تحويلها لفضائيات خاصة للمنوعات والدراما، مهددة بعقوبات قد تصل لإغلاق البث نهائياً وترحيل المخالفين خارج البلاد.
وجاءت هذه التطورات بعد أسبوع من تأكيد مصر رداً على مطالب مسؤولين أتراك بالتقارب، بأن الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي.
من جانبها رحبت مصر بقرار الحكومة التركية الخاص بإلزام القنوات المعادية لمصر بمواثيق الشرف الإعلامية.
وقبل أشهر كان الحديث المتداول بأن البلدان على حافة الحرب، لكن أرسلت تركيا منذ أيام رسائل حملت تطمينات ومبادرات للسلام مع مصر، التي تجاهلت الموضوع في البداية لترد بعد ذلك بالمثل، خلافاً للتراشق السياسي والإعلامي منذ عام 2013.
ويحتضن أردوغان أعضاء من “الإخوان المسلمين” من مصر، والذين يعلنون معارضتهم لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وعلى ما يبدو، بأن قربان السلام المصري-التركي سيكون هذه المعارضة المصرية في تركيا، والقرار التركي بمنع انتقاد السياسات المصرية على قنوات “الإخوان” يصب في مصلحة ذلك.
وبنظرة سريعة على الأحداث المتعاقبة في المنطقة، من المصالحة الخليجية بين قطر والسعودية، وكذلك بوادر حل للأزمة الليبية بتشكيل حكومة موحدة، تقف أنقرة دائماً كطرفٍ داعم للخلاف، لكن عند الحل تغيب عن الصورة، يُضاف إلى ذلك، قدوم إدارة أمريكية جديدة إلى البيت الأبيض، لا تحمل الود نفسه الذي كان يحمله ترامب لأردوغان.
كما أن خروج تركيا من ليبيا سيحرمها من بحر النفط التي كانت تمني نفسها به، وأزمة المتوسط مع اليونان ومصر والتي دخلتها أيضاً فرنسا أبعدها عن حلمها باستخراج الغاز من البحر.
داخلياً، يعاني الاقتصاد التركي من بعض التذبذبات بسبب العقوبات الأمريكية ومقاطعة الدول العربية لبضائعها، كما أن تغير سياسة أردوغان الخارجية انعكس داخلياً على انعدام الاستقرار في البلاد، ما يحرمها من الاستثمارات الاقتصادية والتجارية التي كانت من المتوقع أن تحصدها.
كل هذه الأسباب، تبدو كافية لإعادة حسابات أنقرة تجاه جيرانها العرب وقد تكون البوابة إلى ذلك مصر.
وينتهج أردوغان سياسة “المصالح فوق كل شيء”، ومثال على ذلك في تاريخ ليس ببعيد، عندما دعا إلى فك الحصار عن غرة وأرسل سفينة مرمرة ثم عاد إلى رفع العلاقات الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي.
كذلك في دعمه للمجموعات المسلحة في سوريا، حمل أردوغان في بداية الحرب السورية لواء الدفاع عن المسلحين السوريين وفتح أبواب الدعم المادي واللوجيستي على مصراعيه، ثم دخل في اتفاق “أستانا” مع روسيا وإيران ووافق على اتفاقاتها التي مهدت إلى استعادة الجيش السوري مناطق واسعة في البلاد، وقد يأتي اليوم الذي يتخلى فيه أردوغان عن كامل المسلحين في سوريا، مثلما بدأ بالتخلي عن جماعة “الإخوان المسلمين” اليوم.