خاص|| أثر برس في ظل الظروف المتردية للاقتصاد السوري تتجه الأنظار إلى الاستثمارات الخارجية وإمكانية تنفيذها في سوريا والطريقة التي يمكن أن تجذب المستثمرين الخارجيين في بلاد مدمّرة ولا تزال تعاني في بعض مناطقها من حالة لا استقرار.
بعد تدمير البنى التحتية في سوريا وفقدان العديد من ثرواتها التي كانت ركيزة لاقتصادها، أصبحت الدولة السورية بحاجة إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية من الدول الصديقة أو العربية، حيث تقول وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي في حديث لـ”أثر”: “بشكل عام الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، لأي بلد مفيدة جداً وتُعتبر مؤشراً يدل على قوة وصحة اقتصاد البلد، المهم أن يجري توظيفها بالشكل الذي يخدم مصالح سوريا، اليوم وأكثر من أي وقت مضى نحن في سوريا، بحاجة لاستثمارات وأموال أجنبية يتم توظيفها في الاقتصاد المحلي”.
عوامل مساعدة وأخرى مُعرقلة لعملية الاستثمار:
“بحسب الخبراء الاقتصاديين فثمة عوامل مساعدة لهذه الاستثمارات، إلى جانب عوامل مُعرقلة، حيث تقول عاصي: “مشكلتنا في سوريا أولاً: أن الاستثمارات الأجنبية لها علاقة بالموقف السياسي، لذلك هي محاطة بشائعات كثيرة تفترض مقايضة المصالح الاقتصادية بالموقف السياسي، كونها لا تتمتع بشفافية كبيرة، لجهة اطلاع الجمهور على تفاصيل تلك الاستثمارات ومدى الفائدة التي ستحققها سوريا من تلك الاتفاقيات أو الاستثمارات، ثانياً: نقصان الكفاءة الفنية اللازمة لإدارة ملفات الاستثمارات، هذا ما جعل تلك الملفات عرضةً للأخطاء ومشوبة بالفساد”.
وأضافت عاصي أن: “سوريا فقدت بعض عناصر البيئة الاستثمارية المناسبة وأهمها الاستقرار والأمان والتغير بسعر الصرف إضافة إلى شح بحوامل الطاقة المختلفة وتدني القدرة الشرائية لعموم المواطنين، هذه الأسباب جعلت معظم الاستثمارات العربية تتوقف”.
أما العوامل المساعدة فسُبق أن أكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل، في حديث لـ”أثر” أن اقتصاد سوريا لا يزال يملك العديد من نقاط القوة التي تجعله تحت الضوء، وأبرزها أنه يعتمد على قطاعات مختلفة لتلبية احتياجاته، وغناه بالعديد من الثروات والمواد التي تشكّل مدخلات محلية هامة للكثير من المنشآت الإنتاجية.
وفي السياق ذاته، يشير الخبير الاقتصادي زياد غصن، في مقال لـ “أثر” إلى أن: “الموقع الجغرافي لسوريا يجعلها نقطة ارتكاز أساسية في حركة التجارة الإقليمية والدولية، مع عدم إغفال العامل البشري المتمثّل بالمواطن السوري العامل الذي يستطيع أن يمارس العديد من المهمّات في أنواع مختلفة من المشاريع، ويمتلك القوّة والصبر والقدرة على اكتساب المهارات وتطوير المعارف والقدرات”، إلى جانب قوانين وإجراءات جديدة تمّ أو يتم العمل عليها بهدف تهيئة المناخ اللازم لاستقطاب المستثمرين وتحسين بيئة الأعمال، وأهمها صدور قانون الاستثمار رقم /18/ لعام 2021 والذي تضمّن مزايا وحوافز هامة وغير مسبوقة على صعيد قوانين الاستثمار في المنطقة.
وحول البيئة الاستثمارية في سوريا أكد الخليل سابقاً أن بلاده ستكون بيئة استثمارية تنافسية تجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية.
مَن سيستثمر في سوريا؟
لم تتعافَ سوريا بعد من القطيعة الديبلوماسية والاقتصادية، فبالرغم من انتهاء الحرب العسكرية فيها وشروع بعض الدول العربية بالتطبيع مع دمشق، لا يزال الحديث عن علاقات اقتصادية مفتوحة معها أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لبعض الدول، وذلك خشية على تحالفات أخرى تربطها مع دول أوروبية وأمريكا، حيث كشفت سابقاً صحيفة “الشرق الأوسط” عن احتمال عقد اجتماع في واشنطن بداية العام المقبل، بهدف ضبط إيقاع المواقف للدول المطبعة مع دمشق تحت مظلّة أمريكية، وقد ينطبق هذا الوضع على الإمارات بشكل أساسي التي أخذتِ الاستثمارات التي طرحتها في سوريا الكثير من الاهتمام من الخبراء الاقتصاديين منوهين إلى قدرة الإمارات الاقتصادية على النهوض بالاقتصاد السوري في حال كانت جدية باستثماراتها، وحول السبب الذي يدفع الإمارات تحديداً إلى الاستثمار في سوريا، يقول المحلل السياسي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله: “الإمارات تريد تعزيز حضورها في المنطقة في الفترة القادمة من خلال المال والأعمال والاقتصاد”، وفي الوقت ذاته، أكد وزير الصناعة السوري زياد صباغ، أنه لا يوجد طروحات استثمارية إماراتية حالياً.
وعند الحديث عن استثمارات خارجية يتصدر حلفاء سوريا قائمة الدول المستثمرة، خصوصاً روسيا وإيران، حيث ازداد مؤخراً الحديث عن نشاط اقتصادي إيراني ملحوظ في سوريا، حيث أبصرت بعض المشاريع النور وتم توقيع المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية في الملتقى الاقتصادي السوري-الإيراني الذي جرى مؤخراً، ويشير الباحث الاقتصادي السوري الدكتور عمار يوسف، في حديث لـ “أثر” إلى وجود عوامل تميّز الاستثمار الإيراني عن غيره من الاستثمارات الأجنبية، قائلاً: “إيران بلد مُعاقبة منذ 40 سنةً، الأمر الذي يُعطيها أفضلية في تجاوز موضوع العقوبات المفروضة على سوريا”، مشيراً في الوقت ذاته إلى الاتفاقيات الاقتصادية الهامة التي تربطها مع دول عُظمى مثل الصين، حيث قال: “الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي تجمع بين إيران ودول خارجية تعزز العمل الاقتصادي الإيراني في سوريا، لأنها عندما تتعامل مع دولة مثل الصين فهذا يعطيها قدرةً أكبر في التعامل والانفراجات الاقتصادية وبالتالي ينعكس على تعاملها مع سوريا”.
وحول جدية الاستثمارات الإيرانية، يؤكد رئيس غرفة التجارة السورية-الإيرانية في معرض حديثه لـ “أثر” عن طبيعة التعاون الاقتصادي بين البلدين، مشيراً إلى أن الجهود تتجه خلال الفترة المقبلة إلى التعاون الزراعي والصناعي إلى جانب غيرها من المشاريع كون أن هذين القطاعين تمكنا قبل الحرب في سوريا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأضاف: “نعمل على الاستفادة من استقطاب المواد الخام الأولية للصناعة من إيران واستيرادها بهدف تحقيق القيمة المضافة للاقتصاد الصناعي والزراعي السوري، خصوصاً بعد أن تضاعفت أجور الشحن ثلاثة أو أربعة مرات على المستوى العالمي، ما يجعل استقطاب هذه الاستثمارات والمواد الخام وإقامة العلاقة الاقتصادية مع إيران مجدية جداً وذات قيمة مضافة ومضاعفة للصناعة والزراعة في سوريا، وتستطيع تحقيق تخفيض مهم في كلفة أي منتج، ما ينعكس إيجاباً على السوق المحلية والتصدير”.
وفقاً لما يؤكده خبراء فإن الاستثمارات الأجنبية في سوريا لا تزال تحتاج وقتاً لتُبصر النور بشكل فعلي، وذلك نتيجة عدة عوامل أبرزها العقوبات الاقتصادية والإغلاق الذي حصل نتيجة أزمة كورونا، في حين تبقى هذه الاستثمارات بمثابة قيمة مضافة للاقتصاد السوري بعد التضرر الذي لحق بكافة القطاعات.
زهراء سرحان