خاص|| أثر برس يشدد العديد من المسؤولين والاقتصاديين السوريين على ضرورة التوجه إلى جذب الاستثمارات الخارجية، وخلق بيئة استثمارية جيّدة للمستثمرين في سوريا بعد 10 سنوات من الحرب التي دمّرتِ البنى التحتية وأفقدت البلاد أهم مواردها الأساسية.
الحديث عن استثمارات خارجية كثُر في الآونة الأخيرة، مع انفتاح العديد من الدول العربية الثرية على سوريا، واستئناف علاقاتها معها، إلّا أنه وبحسب الخبراء فإن الانفتاح الاقتصادي يبقى محكوماً بسياسات محددة، الأمر الذي أكده كبير الاقتصاديين في مؤسسة التحليل الأمريكية RAND، هوارد شاتز، الذي قال: “لو كنت مستثمراً في سوريا مرتبطاً سياسياً في الخليج، لكان أكثر ما يقلقني بشأن سوريا ليس العقوبات، إنما ما إذا كان بإمكاني القيام بالبزنس هناك” وفقاً لما نقله موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وبالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع فأكد مؤخراً وزير الصناعة السوري زياد صباغ، أنه لا يوجد طروحات استثمارية إماراتية حالياً.
ونتيجة إلى أن الانفتاح الاقتصادي مرتبط بحسابات سياسية فيكون لحلفاء الدولة السورية الأولوية في هذا المجال، وهما روسيا وإيران التي أظهرت خلال الأسبوعين الأخيرين نشاطاً اقتصادياً لافتاً في سوريا، تمثّل بملتقيات تجارية والإعلان عن مشاريع اقتصادية جديدة.
فيما يضبط هذا التعاون التجاري والاقتصادي بين سوريا وإيران آليات وضوابط معينة، أوضحها رئيس غرفة التجارة السورية-الإيرانية فهد درويش في حديث لـ “أثر” مؤكداً أن التعاون بين الجانبين يعتمد بشكل أساسي على وضع فكر للتصنيع والإنتاج، مشيراً إلى أنه خلال الملتقى الاقتصادي الأخير الذي نظّمته الغرفة خلال زيارة وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني منذ أيام، تم التركيز على: “أن يكون جدول أعمال الملتقى ذا طابع استثمار وإنتاج صناعي ومناقشة الفرص الاستثمارية المشتركة والمتاحة في ظل الظروف الراهنة، وليس أن يكون ذا طابع تبادل تجاري واستهلاكي، وقد حققنا نتائجاً مهمة فيه”، موضحاً أن: “زيادة التبادل التجاري والسلعي هي جزء من عمل غرفة التجارة المشتركة، لكن هناك هدف أساسي نفكر فيه وهو تحقيق القيمة المضافة للقطاع الصناعي والزراعي السوري استناداً إلى الخبرة والإمكانات المحلية السورية والتكنولوجيا الإيرانية، لذلك نعمل على جذب شركات واستثمارات إيرانية لإقامة استثمارات جديدة وإعادة تأهيل المعامل والمصانع المتضررة والمتعثرة وفق أنشطة اقتصادية مفيدة للاقتصاد الوطني، وإنشاء تشاركية بين القطُاع الخاص في البلدين”.
وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الصناعة على أن التوجه الحكومي هو التركيز على التصنيع الزراعي، كونه القطاع الذي سُبق أن حققت سوريا فيه اكتفاءً ذاتياً قبل الحرب عليها، أكد درويش أن جهود الغرفة المشتركة ستركز خلال الفترة المقبلة على “الاستفادة من استقطاب المواد الخام الأولية للصناعة من إيران واستيرادها بهدف تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الصناعي والزراعي السوري، خصوصاً بعد أن تضاعفت أجور الشحن ثلاثة أو أربعة مرات على المستوى العالمي، ما يجعل استقطاب هذه الاستثمارات والمواد الخام عاملاً مساعداً لإعطاء قيمة مضافة للصناعة والزراعة في سوريا، وتستطيع تحقيق تخفيض مهم في كلفة أي منتج”.
وفي الوقت ذاته، أشار درويش إلى أن “الميزان التجاري الحالي لا يشير إلى واقع العلاقة الفعلية القائمة بين البلدين، وإذا كنا نريد إحداث تقارب بين كفتي الميزان، يجب الاهتمام بالتصنيع وزيادة كمية السلع والمنتجات السورية المتجهة نحو إيران، والطريق إلى ذلك هو التصنيع والإنتاج اعتماداً على الدعم والتكنولوجيا الإيرانية” مضيفاً أن هناك جهوداً لتكون إيران سوقاً واسعةً للمنتجات السورية، ومنصة ترويج وتوزيع للمنتجات السورية إلى دول جوار إيران، وهي سوق اقتصادية كبيرة جداً.
كما نوّه درويش في معرض حديثه إلى بعض الاستثمارات الإيرانية التي تعمل في سوريا وهي مصنع إنـتاج السـيارات “سيامكو”، و”سيفيكو”، ومصنع الزجاج، ومعمل إنتاج الدهانات، واستثمارات في الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية والأبقار ومنتجات الحليب والألبان، ومشاريع في توليد كهرباء والطاقة، مشيراً إلى أنها “مشروعات تعمل ولم تتوقف رغم الحرب، والكل يعلم بها”.
وتشترك روسيا مع إيران بالموقف السياسي في سوريا مع وجود بعض الاختلافات الجوهرية بتحالفاتها مع بعض الجهات، وبما أن روسيا تتمتع بِثِقل دولي معين لا بد أن تتوجه الأنظار إلى الاستثمارات الروسية التي يمكن أن نشهدها في سوريا.
وفي هذا الإطار سبق أن قدّمت موسكو الكثير من الوعود بأنها ستعمل على رفد الاقتصاد السوري، حيث أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، في تشرين الثاني الفائت أن بلاده تنوي جذب استثمارات من دول منطقة الخليج والغرب لإعادة إعمار سوريا، معرباً عن أملها بجذب أموال من البنك الدولي لإعادة إعمار محطات الطاقة الكهرومائية في سوريا، وكذلك أفاد العام الفائت نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، أن موسكو طرحت في تموز اتفاقاً لتوسيع العلاقات الاقتصادية وإن دمشق تعكف على دراسته، ومن جهة أخرى أكد أحد المسؤولين الروس عن قطاع التأمين الروسي خلال مؤتمر دولي حول التأمين عُقد عام 2020، في معرض إجابته عن احتمال استثمار روسيا في سوريا أن “خوض الحروب في العالم يكون إمّا لأسباب سياسية أو تحقيقاً لمصالح وأهداف اقتصادية، ودخول روسيا الحرب في سوريا كان قراراً سياسياً، ولم يكن لأسباب اقتصادية. لذلك، ليس لدينا أيّ خطط مستقبلية للاستثمار في سوق التأمين السورية، والتي هي في النهاية سوق صغيرة وغير مغرية مقارنة بأسواق دول أخرى” وذلك وفقاً لما نقلته حينها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، مشيرة إلى أن بيانات هيئة الاستثمارات السورية في الفترة الممتدّة بين عامَي 2009 و2019، تُظهر وجود مشروع روسيّ واحد مشمول بقانون الاستثمار منذ عام 2013.
أما بالنسبة لسوريا فإنها في هذه المرحلة تعطي الأولوية لرفد الاقتصاد لذلك لا نجدها تعمل على فتح ملفات قديمة مع دول سبق أن كان لها موقف معادي خلال فترة الحرب، حيث يشير الخبير الاقتصادي زياد غصن إلى أن استراتيجية دمشق في إمكانية الانفتاح السياسي والاقتصادي على دول سبق أن عادتها خلال الحرب مرتبط بمسلمات عدة ومنها دعم أيّ تعاون اقتصادي مع دول الجوار العربي، وبمعزل عن تأثير تطورات العلاقات السياسية مع تلك الدول، تماماً كما هو الحال مع لبنان والعراق، مشيرة إلى أن للمسؤولين عن الملفات الاقتصادية في الحكومة إدارة هذه العلاقة وفق مقتضيات المصالح الاقتصادية الوطنية، لافتاً إلأى أن هذا التوجّه تؤكده المؤشرات الخاصة بالمبادلات التجارية لسوريا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، والتي أظهرت أنّ قيمة المبادلات لسوريا مع كل من العراق والأردن ولبنان شكلت مجتمعة خلال الفترة المذكورة ما نسبته 38.5% من إجمالي المبادلات التجارية للبلاد مع 20 دولة عربية.
زهراء سرحان