تستمر كل من إيران والسعودية باتخاذ إجراءات جديّة لإعادة العلاقات بينهما، بالزيارات الرسمية واتخاذ خطوات دبلوماسية من قبل تعيين سفراء في كلا البلدين وغيرها، في واقع مغاير للتوقعات والترجيحات التي نشرتها الصحف الأمريكية عندما تم إعلان حدوث التقارب السعودي- الإيراني برعاية صينية في نيسان الفائت.
بعد مرور ما يقارب الأربعة أشهر على هذا التقارب، تتفق التحليلات والتقديرات العربية والأجنبية، أنه سيكون له تأثير في ملفات عدة في الشرق الأوسط، وللحديث عن تبعات هذا التقارب وتأثيره في توازن القوى في المنطقة، نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريراً انطلقت فيه من زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الخميس إلى الرياض، لافتة إلى أن “الكشف عن موعد الزيارة اقترن بحدثين مهمين، الأول تمثل في إعلان توصل إيران إلى اتفاق مع أمريكا حول تبادل السجناء والأموال الإيرانية المجمدة، والثاني وهو الأهم، القرار السعودي والمبادرة إلى تعيين عبدالله سعود العنزي سفيراً للمملكة في طهران، وهي خطوة تؤكد التزام السعودية الكامل بدفع الاتفاق إلى الأمام”.
وأضاف التقرير أن هذا التقارب سيساعد الجانب الإيراني في تحقيق طموحاته، مشيراً إلى أنه “ما بين الطموح والواقع، أو ما بين تحويل الطموح إلى واقع، يأتي الأداء الإيراني في علاقاته مع دول المنطقة على رأس أسباب وعلل النجاح والفشل، وزيارة عبداللهيان إلى الرياض ستشكل الإخبار الجدي والحقيقي لنيات إيران ومدى رغبتها في تحقيق هذه الرؤية التي لا يمكن أن تترجم واقعياً من دون تبنيها من جانب الرياض ومعها دول الخليج الأخرى، وعدها مشروعاً استراتيجياً على المستوى الإقليمي يساعد في التخفيف من التهديدات التي تحيط بالمنطقة”.
وفي هذا الصدد، أشار الزميل في معهد “أمريكان إنتربرايز” كينيث إم بولاك، في مقال نشرته صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية إلى الآلية التي تمكنت فيها إيران من إثبات قدراتها على تحقيق بعض مصالح الدول وحماية أمنها، إذ قال: “في كل مكان تقريباً تقدم طهران الآن حوافز إيجابية للتعاون وتقلص في الغالب من تكتيكاتها القوية، والسؤال الذي يواجه الولايات المتحدة الآن هو كيفية تعديل سياستها في المقابل”، مضيفاً أنه “على مدى سنوات ماضية عدة، شعر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالحاجة إلى تقليل اعتمادهم عليها والبحث عن أصدقاء جدد وداعمين محتملين، وكان هذا مصدر موجة من المغازلة مع الصين وروسيا والهند وبعض الدول الأوروبية، وقد تهدف إيران إلى الاستفادة من هذا الوضع”.
وخلُص بولاك في مقاله إلى أنه “الآن، الرجل الإقليمي القوي اللطيف (إيران) يبدو جذاباً للدول العربية الخائفة، وهذا هو السبب في أن هجوم السحر الإيراني الجديد أثبت فعاليته”.
وفي معرض الحديث عن الواقع الجديد الذي خلقه التقارب السعودي- الإيراني، نشر الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج، ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو، مقالاً في “معهد جول الخليج العربية” والذي مقره واشنطن، لفت فيه إلى ضرورة الاستفادة من هذا التقارب في ملف استقرار الخليج العربي ومضيق هرمز، وسط استمرار واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الخليج، إذ قال: “يجب على دول الخليج وإيران استغلال فورة التقارب التي تشهدها المنطقة الآن بين مختلف الأطراف، والتي توجت بالاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية ووقف التصعيد في اليمن، لمحاولة إيجاد صيغة لإقرار الأمن والاستقرار البحري في الخليج العربي ومضيق هرمز”، منوّهاً بأن “أطرافاً خليجية أظهرت مؤخراً تصميماً متزايداً لتجنب الحسابات الصفرية وتبني موقف أكثر تصالحية في إدارة شؤون الأمن البحري، مثل الإمارات التي انسحبت من القوة البحرية المشتركة، وهي شراكة بحرية بقيادة الولايات المتحدة تضم 38 دولة تؤدي أنشطة أمنية بحرية قبالة سواحل شبه الجزيرة العربية، وينظر إليها على أنها مضادة لإيران”.
وفي 5 نيسان الفائت تم إعلان حدوث توافق سعودي- إيراني برعاية صينية، ولفتت تقارير أمريكية حينها إلى أنه نظراً إلى الحديث بتفاصيله كافة فهو حدث “مدهش” إذ نشرت حينها صحيفة “إيكونومست” الأمريكية: “الأمر كان مدهشاً بما يكفي لرؤية عدوين قدامى يجلسان معاً، وهذا جعل هذه اللحظة أكثر إثارة هو المكان الذي لم يكن عاصمة إقليمية، بل بكين، إذ يجلس بين الرجلين وانغ يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين” ونقلت عن مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسة السلام في الشرق الأدنى، قوله: “إن رؤية الدور الصيني هنا لن يسخن أي قلوب في واشنطن، وستكون نعمة للجمهوريين الذين يريدون المجادلة بأن سياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط فاشلة”.