خاص || أثر برس شهدت محافظة الحسكة الزراعية خلال السنوات الماضية حالة جفاف أثرت سلباً على الواقع الزراعي والحيواني والبيئي، وبات الجفاف، إلى جانب عوامل عدة أخرى، يهدد المزارعين ومربي الثروة الحيوانية في المحافظة.
التغيرات التي شهدتها المحافظة، المصنفة زراعياً “سلة غذاء سوريا” أثرت بشكل دفع الكثير إلى هجرة أرضهم، وآخرون قلصوا المساحات، واعتمدوا على زراعات ثانوية ذات عائد اقتصادي بدورة زراعية قصيرة وتكاليف أقل.
إحصائيات مديرية زراعة الحسكة الرسمية تبين حجم الضرر الذي خلفه الجفاف على المزروعات ومربي المواشي، وبلغت نسبة الأراضي الزراعية التي خرجت عن الزراعة بين عامي 2010 و2024 نحو 270,857 هكتاراً، غالبيتها في مساحات القمح والشعير المروي، أما بالنسبة لمساحات القطن، فتراجعت من 51 ألف هكتار إلى 4,775 هكتاراً.
وبالنسبة للثروة الحيوانية، فالجفاف كان له تأثير كبير على تقليص أعدادها نتيجة قلة المراعي وارتفاع تكاليف الأعلاف وعدم توفر اللقاحات البيطرية الآمنة، فخلال عام 2010، كان عدد الثروة الحيوانية مليوناً و817,214 رأساً (أغنام وماعز وأبقار)، بينما بلغ عددها خلال عام 2024 مليوناً و609,026 رأساً بفارق 208,188 رأساً، غالبيتها من الأغنام والأبقار.
معاون مدير الزراعة، المهندس عز الدين الحسو، بين في تصريح لـ”أثر برس” أن تعاقب سنوات الجفاف، وتحديداً بين عامي 2020 و2022، ترك أثراً سلبياً على المحاصيل الزراعية والمخزون المائي سواء كانت سدوداً أو شبكات مائية، ما أدى لقلة المزروعات المروية والبعلية.
وأبرز نتائج الجفاف، بحسب الحسو، انخفاض المخزون المائي للآبار وجفاف عدد كبير منها، وجفاف نهر الخابور وروافده (الجرجب والزركان)، ما أدى أيضاً إلى توقف المشاريع الزراعية على طول سرير نهر الخابور.
وتابع الحسو: “ساهم الجفاف في زحف التصحر على الأراضي الزراعية وانخفضت نسبة المراعي، خاصة في منطقة البادية وتحديداً الأراضي الملاصقة لها، التي كان لها النصيب الأكبر من الجفاف وزحف التصحر وانتشار الأتربة والرمال واندثار قسم كبير من المحميات الرعوية”.
بدوره، أشار مدير تنمية البادية، المهندس محمد الصومعي، لـ”أثر برس” إلى أن البادية في محافظة الحسكة، تمتد على مساحة 497,500 هكتار، أي ما يعادل 21% من مساحة المحافظة، منها مساحة 9,846 هكتاراً على سرير نهر الخابور.
وبين الصومعي، أن سكان البادية، خاصة مربي الأغنام، عانوا من موجات الجفاف التي ساهمت في تقليص أعداد الثروة الحيوانية وانخفاض مستوى معيشة المربين وعدم توفر فرص العمل، وهجرة غالبية الأسر طلباً للعمل.
وأثّر الجفاف، بحسب الصومعي، على الغطاء النباتي وتدهور نسبة كبيرة منه، كما أدى الاحتطاب الجائر في البادية إلى فقدان الشجيرات الرعوية، ما أدى إلى زيادة الانجراف الريحي والمائي للتربة وظهور مشكلة التصحر وتكون الكثبان الرملية في العديد من المناطق وأثره السلبي على المزروعات.
مربي الأغنام، أحمد الزاغان، الذي يقيم جنوب الحسكة، يشرح بحديثه لـ”أثر” الواقع الصعب لمربي الثروة الحيوانية، سواء الأبقار أو الأغنام، حيث لم يعد هناك قدرة لدى المربين لتربية قطعان الأغنام كما كان سابقاً، فاليوم يكتفي المربي بعدد قليل لتأمين اكتفاء ذاتي، وقلة هم من يعتمدون عليها لتأمين عائد مادي” ويضيف الزاغان: “المراعي اختفت بشكل شبه نهائي، والأعلاف أسعارها مرتفعة وبالعملة الصعبة، فلابد من تقليص العدد وبيع قسم من القطيع والاعتماد على عدد محدد، وكثير من المربين فقدوا قسماً كبيراً من قطعانهم بسبب قلة المراعي وغياب اللقاحات البيطرية وما يتوفر في الأسواق غير موثوق”.
من جانبه، يقول مربي الجاموس في ريف القامشلي، خضر الرزيكو لـ”أثر”: ” نحو 100 عائلة في ريف القامشلي تعتمد على تربية الجاموس، كان لدي 25 جاموساً العام الماضي، واليوم أملك فقط 10 رؤوس من الجاموس، بعضها نفق لقلة الأعلاف وبيع القسم الآخر لشراء الأعلاف لباقي الجواميس”.
من جانبه، يقول مزارع القمح، سليم حمادي: “سابقاً كان المزارع أو صاحب الأرض يزرع مساحات تصل إلى 1000 دونم بالقمح أو الشعير، ولكن اليوم نادراً ما تجد مزارعاً يزرع 40 أو 50 دونماً بالقمح، لارتفاع التكاليف، خاصة المروي، أما البعل فهو مرهون بالأمطار وكمياتها، وقلة من يغامر بالزراعة كونها مكلفة جداً، سواء البذار وأعمال الحراثة والحصاد والنقل خلال التسويق”.
ويضيف حمادي لـ”أثر”: “انتقل غالبية المزارعين والفلاحين إلى زراعات أخرى، كزراعة الخضار الصيفية والشتوية وبعض أصناف المحاصيل العطرية ذات العائد الاقتصادي ودورة زراعية قصيرة.
وبحسب المهندس محمد العلي، الذي يملك مزرعة لإنتاج الخضار في جنوب المحافظة، يوجد فقط في المنطقة الجنوبية نحو 3000 مزرعة لإنتاج الخضار، وآخرون انتقلوا لزراعة الأشجار المثمرة، وتحديداً الزيتون، وهذا كان سابقاً لا يسمح به في المنطقة، بحسب ما يقول لـ”أثر”.
إلى ذلك، تسبب الجفاف في خروج سد الحسكة الغربي الواقع على طريق عام الحسكة – الدراسية عن الخدمة، وحالياً تحول جسم السد إلى يابسة، علماً أنه كان السد المصدر الرئيسي لمياه الشرب لمدينة الحسكة كاملة. حالياً لا مياه للشرب، خاصة بعد توقف آبار علوك وقطع مياه الشرب من قبل القوات التركية منذ أكثر من عام، ولم تفلح مساعي الأهالي في حفر آبار سطحية بمركز المدينة لتأمين قسم من الاحتياج كونها جفت بشكل كامل.
جوان الحزام – الحسكة