خاص || أثر برس يُعرف وقود “الجلة” بكونه ناتج عن مزج “روث الأبقار” مع “التبن”، وعجنهما بقليل من الماء قبل أن يحوّل إلى أقراص بواسطة قوالب خشبية أو باليد، ثم يوضع في الشمس ليجف قبل أن يخزن في أماكن بعيدة عن الرطوبة ليكون وقوداً للتدفئة كبديل عن المحروقات في عملية التدفئة وأحياناً إشعال مواقد طينية لتحضير الطعام.
في المنطقة الشرقية تعد “صوبة الجلة”، من الأدوات القديمة التي عزف السكان عن استخدامها في مرحلة ما قبل الحرب بفعل رخص وسائل التدفئة آنذاك، وعلى الرغم من أن الوقود كان متوافراً إلا أن بعض السكان ظلوا يستخدمون “الجلة”، في عملية التدفئة لكونها تؤمن اشتعالاً لمدة أطول وبحرارة أعلى مما تؤمنه بقية المحروقات والحطب، إلا أن ظروف الحرب ألقت بظلالها على فقراء المنطقة وسكان المخيمات العشوائية تحديداً، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات ليصل سعر ليتر المازوت المكرر بدائياً إلى ما يزيد عن 500 ليرة سورية وأحياناً إلى 10000 في ظل النقص الشديد بسبب قيام قسد بتهريب أكبر قدر ممكن من النفط إلى المناطق القريبة من الحدود وحرمان مناطق “شرق الفرات”، من نفطها والمشتقات النفطية المكررة بشكل بدائي.
سعر طن الحطب في الرقة يصل إلى ما يقارب 900 ألف ليرة سورية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى ما يزيد عن المليون مع اشتداد برودة الطقس في الشهر القادم، وهذا ما يجعل السكان يعزفون عن استخدام هذا النوع من الوقود في عمليات التدفئة فهو يفوق قدرتهم الشرائية في ظل انتشار البطالة في المنطقة الشرقية.
ولا يجد سكان القرى والمخيمات العشوائية الواقعة المنتشرة في أرجاء المحافظة بديلاً للتدفئة عن “الجلة”، حيث يتم شراء “روث الأبقار”، من سكان القرى القريبة بسعر يتراوح بين 100-200 ليرة سورية، ويحتاج الأمر إلى كميات من “التبن”، قبل البدء بتحضير مؤونة للشتاء من هذا الوقود بتكلفة قد لا تصل إلى 10 آلاف ليرة سورية لتأمين كمية من “أقراص الجلة”، قبل أن يشتد البرد في الخيام المصنوعة مما تيسر من قماش أو “شوادر”.
يتسبب احتراق المواد العضوية بانبعاث غازات ضارة مثل ثاني وأول أوكسيد الكربون، التي يتسبب استنشاق كميات كبيرة منها إلى الإصابة بأمراض تنفسية، إلا أن السكان يعمدون إلى فتح أبواب الخيام أو المنازل بين الحين والآخر ليتم “تبديل هواء الغرفة”، ويتأكدون قبل النوم أن المدفئة انطفأت بشكل كامل مع ترك الأبواب موصدة للمحافظة على الدفء الذي أحدثته قدر الإمكان.
ويتحدث أحد السكان عن قيام البعض من سكان المخيمات العشوائية الذين مازالوا ممنوعين من العودة إلى قراهم الأصلية في ريف دير الزور الشرقي أو إلى المناطق الواقعة غرب نهر الفرات بقرار من “قسد”، عن استخدام البعض لـ “القمامة البلاستيكية” في تشعيل المدافئ، والأحذية والملابس التي لم يعد ممكن ترقيعها، في إيقاد المدافئ، ما يجعل من “الجلة” صحية بالمقارنة مع هذه المواد، فهناك من لا يقوى مادياً على تحضيرها.
بعد إطفاء المدافئ ليلاً، يعتمد سكان الخيام والبيوت الطينية الفقيرة على الأغطية المصنوعة من الصوف الطبيعي “اللحف”، فيما يعمد الذكور إلى ارتداء “الفروة” قبل النوم، وهي المعطف الشعبي الطويل والأكثر رواجاً في فصل الشتاء ضمن المنطقة الشرقية والبادية.
محمود عبد اللطيف – المنطقة الشرقية