أخذت تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ضجّة واسعة في وسائل الإعلام العربية والغربية، وتسببت بتصاعد دعوات المنظمات السورية المعارضة إلى عدم توجه الدول العربية إلى التطبيع مع الدولة السورية.
بالتزامن مع هبوط أول طائرة سعودية في المطارات السورية منذ 12 عاماً، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مؤتمر ميونخ للأمن، عن وجود إجماع عربي حول ضرورة إنهاء عزلة سوريا، في تصريح وصفته التحليلات الغربية بأنه “وضع حداً للتردد في إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا”.
مؤشرات التحركات السعودية الأخيرة:
مجلة “إيكونومست” البريطانية نشرت تقريراً حول هذه الاستدارة السعودية، أشارت خلاله إلى حجم الدعم الذي سبق أن قدّمته الرياض للمجموعات المسلحة في سوريا، قالت فيه: “نادراً ما يعترف الدبلوماسيون بالفشل، لكن هذا هو بالضبط ما فعله وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان” لافتة إلى أن “السعودية أنفقت، على مدى العقد الماضي، عشرات المليارات من الدولارات للإطاحة بالدولة السورية وبمجموعة الحوثيين في اليمن، لكنها الآن على وشك الاعتراف الرسمي بفشل المحاولتين في الأشهر المقبلة”.
وأكدت الصحيفة أن “السعوديون كانوا من أوائل المؤيدين للمعارضة السورية، وبدأوا في إرسال الأسلحة والأموال إلى المعارضين السوريين عام 2012، وحتى بعد انتصار الدولة السورية رفض السعوديون إعادة العلاقات معها، أو السماح لها باستئناف دورها في جامعة الدول العربية، التي تم تعليق عضوية سوريا فيها عام 2011”.
ولفتت “إيكونومست” إلى أنه “يعتقد دبلوماسيون أن السعودية يمكن أن تعلن عن تقارب مع سوريا في قمة جامعة الدول العربية المقبلة، والتي عادةً ما تُعقد في آذار”.
واعتبرت المجلة البريطانية، أن”الدبلوماسيين الخليجيين يعبرون الآن عن أولويات سياستهم الخارجية للسنوات القادمة بالإشارة إلى العلاقات الاقتصادية مع الدول النامية، وتوحيد الجهود من أجل محاربة تغير المناخ، ولا يفضلون الحديث عن جيرانهم العرب، وإذا فعلوا فإنهم يصفون المنطقة بأنها عبء”.
البوابة الاقتصادية أفضل طريق للعودة السعودية إلى سوريا:
مجلة “إيكونومست” البريطانية اعتبرت أن “استعادة العلاقات مع سوريا لا تعني أن السعوديين سيضخون الأموال لإعادة بناء سوريا المدمرة، كما أن إنهاء حربهم في اليمن لا يعني أنهم سيبذلون الكثير لتمويل جهود إعادة الإعمار، والتي يقدر البنك الدولي كلفتها بنحو 25 مليار دولار”، بينما يشير اقتصاديون سوريون إلى أن سوريا لا تنتظر ضخ أموال هائلة من السعودية، لافتين إلى أن مبلغ صغير من المال السعودي يمكن أن يكون مؤثراً في سوريا، وفي هذا الصدد سبق أن نقلت قناة “الميادين” عن مسؤول اقتصادي سوري قوله: “إن وضع مليار دولار فقط كوديعة بإمكانه أن يحدث أثراً مقبولاً” مضيفاً أنه عودة العلاقات ستشجع شركات القطاع الخاص على الاستثمار في سوريا.
ويضاف إلى ذلك أن حديث السعودية عن نيتها لإعادة العلاقات مع سوريا، لم يكن مفاجئاً وسبقه مؤشرات عدة أبرزها كان إعلان الدولة السورية عن فتح باب الاستيراد من السعودية، ما أشار إلى أن التقارب بين دمشق والرياض سيكون عبر البوابة الاقتصادية، خصوصاً أن بعض التقارير الصحفية أكدت أن البضائع السورية لم تختفِ من الأسواق السعودية طوال فترة الحرب، وفي هذا الصدد أكد المدير السابق لـ”مركز دمشق للأبحاث والدراسات”، هامس عدنان زريق، أن “العلاقات التجارية بين البلدَين لم تتوقّف يوماً، وازدادت أخيراً مع إعادة فتْح الجانب الأردني معبر نصيب الحدودي”، مشيراً إلى أنه ووفق تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد في أيلول 2021، حلّت السعودية في المرتبة الثانية بعد العراق في قائمة مستورِدي البضائع المصدَّرة من سوريا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، مؤكداً أنه بعد قرار الدولة السورية الرسمي والذي كان بموافقة الخارجية السورية، المتعلق بفتح باب الاستيراد من السعودية فلا يوجد أي مانع سياسي من التعامل التجاري مع الرياض.
وكذلك يؤكد عدد من التجار والاقتصاديين السوريين أن إعادة العلاقات الاقتصادية الرسمية بين سوريا والسعودية العلاقات أمر مطلوب بالنسبة للجانين، وقال في هذا الصدد سبق أن رئيس لجنة التصدير في “غرفة تجارة دمشق” فايز قسومة: “إن استعادة العلاقات بين السعودية وسوريا سيريح الأسواق ويخفّض الأسعار بحُكم القرب الجغرافي، كوْن البضائع بين البلدَين معفاة من الجمارك”، مشيراً إلى أن “البضائع السورية كانت تُصدَّر طيلة سنوات الحرب ولم تتوقّف، لكنها كانت تَدخل إلى الأراضي السعودية بشاحنات غير سورية، وهذا يزيد التكلفة على المصدّرين والمستورِدين”، وفقاً لما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
تشير التقديرات إلى أن الطريق أمام عودة السعودية إلى سوريا يحتاج إلى مراحل عدّة، إلّا أن الزلزال الذي ضرب مناطق شمال سوريا كان بمثابة الفرصة المناسبة لتسريع هذا المسار، وفي هذا الصدد أشار موقع “إنتلجنس أون لاين” الاستخباراتي الفرنسي إلى وجود عملية “تطبيع سرية” بين السعودية وسوريا، لافتاً إلى أن “المساعدات الإنسانية السعودية وصلت إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، في مبادرة تمهّد الطريق لمزيد من الاتصالات الدبلوماسية المباشرة”.