استناداً إلى الأحداث السياسية التي شهدتها سوريا بعد الزلزال المدمّر الذي تعرضت له، بات من الواضح أن هذا الزلزال تسبب بتحريك العجلة الدبلوماسية العربية إزاء دمشق بشكل أكبر، ودفع بعض الدول العربية إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة وعلى رأسهم الأردن ومصر والسعودية، فيما حافظت كل من قطر والكويت والمغرب على مواقفها من الانفتاح على سوريا وإعادة العلاقات معها.
قناة “الحرة” الأمريكية نشرت تقريراً حول امتناع هذه الدول عن التقارب من دمشق بعد الزلزال، ونقلت عن محللين سياسيين تأكيدهم على أن امتناع بعض الدول عن التطبيع مع سوريا، هو موقف منسجم مع الموقف الأمريكي والغربي.
وفي هذا الصدد أعلنت قطر أنها لن تتواصل مع الحكومة السورية بعد الزلزال، مؤكدة أنها سترسل المساعدات عبر الجسر الجوي الذي أنشأته مع تركيا وإلى المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية شمال غرب سوريا فقط، أما الكويت، فصرّح وزير الخارجية الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، قبل أيام أن بلاده “ليس لديها خطط للتطبيع مع الدولة السورية، كما فعلت بعض الدول العربية، في أعقاب الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا في السادس من شباط الجاري”، وكذلك سبق أن أفادت مصادر خاصة لـ”أثر” أن السفارة السورية في الكويت أوقفت حملة جمع تبرعات، كان قد تم الإعلان عنها، لصالح متضرري الزلزال في سوريا، لعدم منح الحكومة الكويتية الموافقة النهائية لها، ليتم بعد يومين استئناف عملية جمع التبرعات، وذلك بعد اتصالات مكثفة من أبناء الجالية، وإلحاح كبير منهم لفتح باب التبرعات، وفقاً لما أكده القائم بأعمال السفارة السورية في الكويت السفير مصطفى ديوب، في حديث لـ”أثر”.
بالتزامن مع إعلان كل من الكويت وقطر عن موقفيهما من التعاون مع الحكومة السورية بعد الزلزال، تناولت بعض الصحف الكويتية عنوان “ما بعد الزلزال”، حيث نشرت صحيفة “الرأي” الكويتية، تقريراً قالت فيه: “فتح زلزال شرق المتوسط وما تلاه من تبعات مفجعة فرصاً جديدة لاستعادة روح التعاون والتنسيق بين دول العالم فيما يتعلّق بالتعامل مع الكوارث الطبيعية، وهو الأمر الذي يفرض علينا إعادة النظر في القانون الدولي الإنساني، للتأكيد على روح التعاون والتنسيق التي يجب أن تسود بين الدول في حالات الأزمات والكوارث” مضيفة أنه “في الحقيقة… نحن أمام حالة فريدة من التضامن تستحق أن يتم التقاطها للبناء عليها، وتحويلها إلى مَعبر ومعيار جديد لعلاقات الأمم والشعوب بعضها مع بعض”.
وتابعت الصحيفة “كلنا أمل بأن ينجح العالم في الاستفادة من الكارثة لإعادة صياغة علاقاته ونظرته للتعاون الدولي، وفق معايير جديدة تنبع من هذه الفكرة، ومن ثم استنهاض الضمير الأخلاقي والحرص من أجل ترميم العلاقات بين الدول وبالتالي سوف تنجح فيما فشلت فيه الديبلوماسية الروتينية وألا تكون مجرد حالة مؤقتة تنتهي بمرور الأزمة وتعود البلدان إلى حالة الصراعات والأزمات من جديد”.
وكذلك نشر عبد الله الشهّاب في صحيفة “الأنباء” الكويتية، مقالاً قال فيه: “لا يمكننا تمرير المحنة التي تعرض لها الأشقاء في تركيا وسوريا، دون أن نتريّث قليلاً، لقد كان الحدث كافياً لإفراز مجموعة من الدروس التي تحتاج لوقفات تأمل”.
فيما نقلت وكالة “الأناضول” التركية عن المفكر المغربي أبوزيد المقرئ الإدريسي، قوله: “الاستجابة تجاه الكارثة كانت متفاوتة، وهذا التفاوت مؤلم” موضحاً أن “البعض خرج يخوّف الناس، فقال لهم: انتبهوا، من أرسل المساعدات مباشرة إلى سوريا، فإنه قد يجد نفسه في لائحة الداعمين للإرهاب، التي تفرضها الولايات المتحدة والأمم المتحدة”، مشيراً إلى أنه “مع تصاعد هذه الأوضاع المرعبة، أظن أن التفاعل الشعبي سيزيد، وحتى حاجز الترقب سيكسر، وأيضا الخوف من الاتهام الأمريكي الباطل، أو من تشريعات تؤطر العمل التضامني بقوانين صارمة”.
وفي سياق الحديث عن الحالة الإنسانية التي شهدتها سوريا بعد الزلزال، وامتناع بعض الدول العربية عن التعامل مع الدولة السورية لإيصال المساعدات الإنسانية، نشرت صحيفة “العرب” مقالاً حول عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق السورية، أشارت خلاله إلى أن “الحكومة السورية أعلنت موافقتها على إرسال المساعدات إلى شمال غرب البلاد، الذي تتقاسمه سلطتان: هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) في شمال إدلب، وفصائل سورية موالية لأنقرة في شمال محافظة حلب” مشيرة إلى أنه “بعد نحو أسبوع على وقوع الزلزال، رفض زعيم الهيئة أبومحمّد الجولاني، دخول مساعدات من مناطق سيطرة الحكومة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها حصلت على موافقة دمشق لكنها تنتظر الضوء الأخضر من الجانب الآخر”.
في الوقت الذي تُجمع فيه التحليلات على أن زلزال سوريا كان بالنسة لبعض الدول فرصة للتوجه دبلوماسياً نحو دمشق، نجد على الجانب الآخر دولاً قررت الحفاظ على موقفها، ورفضت التواصل مع الدولة السورية، بما يتفق مع سياساتها وتحالفاتها الخارجية.