كانت البلدان النفطية في الجزيرة العربية شبه مُشرعَة الأبواب قبل استخراج النفط، ولم يكن مواطنو دول الجوار بحاجة للسفر لتلك البلدان الفقيرة مثل السعودية أو الكويت أو قطر أو مشيخات الساحل المتصالح “الإمارات حالياً”، وعلى سبيل المثال طالب شيخ الكويت رسمياً العودة للعراق في عام 1938، بناءً على مطلب شعبي، للاستفادة من مؤسساته الخدمية، والمياه الصالحة للشرب ونظاميّ التعليم والصحة، ودفع رواتب الموظفين، إلخ.
وكانت البلدان الأخرى آنفة الذكر أشد فقراً وعزلة من الكويت، فالسعودية كانت تعتمد في الأساس على موارد الحج، وكانت المملكة المصرية تتكفل بكسوة الكعبة، أمّا المورد الرئيسي لمشيخات الساحل المتصالح كان صيد اللؤلؤ، ولم تكن قطر أحسن حالاً.
وتعلم الكثير من القادة السياسيين والعسكريين في البلدان النفطية في العراق ومصر والسودان بمِنح دراسية مجانية، فقد درس الملك فهد خامس الملوك السعوديين، في معهد “بخت الرُضا” في السودان في عام 1945 لكنه لم يتخرج، وفيما حاز حاكم الشارقة سلطان بن محمد القاسمي على شهادة الهندسة الزراعية من جامعة القاهرة في عام 1971.
وشكّل اكتشاف استخراج النفط في الجزيرة العربية في العقد الرابع من القرن العشرين، عامل جذب لمواطني دول الجوار، فتدفقت القبائل مثل شمر وعنزة والمطيري والنعيمي وغيرها، وتدفق على مشيخات النفط مواطني العراق والأردن واليمن وعُمان وإيران وسوريا ومصر، وأجَج تصدير النفط الحاجة لأيدي عاملة شرعية وغير شرعية، في مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال في الكويت، استُخدم الوافدون غير الشرعيين في استخراج النفط والإعمار وفي الشرطة والجيش، ولذلك نشأت في الكويت شريحة مجتمعية بلا جنسية (البدون)، وهم بلا حقوق على عكس مواطني الدول الخليجية الأخرى.
في عشيّة حرب الخليج الأولى، بلغ تعداد البدون في الكويت ذروته إذ وصل لحوالي 250 ألف نسمة، وبالرغم من انتماءات البدون القبلية، والبعض منهم ينتمي للجيل الثالث في تلك البلدان النفطية، إلا أنهم لم يُمنحوا الجنسية، فيما يبلغ تعداد البدون في الدول النفطية الآن أكثر من ستمائة ألف، وتعود مأساتهم لأكثر من سبعين سنة وسبباها الرئيسيان هما النفط والغاز.
ترك بعض “بدون” البادية السورية في خمسينيات القرن الماضي، وجذبهم النفط للكويت والسعودية، وحتى الآن لا زالوا صامدين رغم الصعاب، يدغدغ أحلامهم النفط والغاز، أمّا في لبنان هناك حوالي مليون ونصف “بدون” من نوع آخر، وهم اللاجئون السوريون أي أضعاف “بدون”، وتعمل القوى العالمية والإقليمية واللبنانية على توطين النازحين السوريين في لبنان سعياً لمصالح مختلفة، إذ طالب ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2017 بأن تعفى الولايات المتحدة باستقبال أيِّ منهم، وتطمح قوى 14 آذار في توطينهم أملاً في تغيير ديمغرافيّة لبنان، وكون النزوح السوري إلى لبنان في معظمه اقتصادي وليس أمنياً، فإن استخراج الغاز في لبنان سيزيد من تعقيد عودة النازحين إلى سوريا، إضافة إلى أن لبنان يقع في إطار الدَيرة الرعوية للنازحين السوريين، ولكن هذه المرة للغاز وليس للعشب.
صمد السوري آنذاك في الكويت والسعودية سبعين سنة دون أن يفكَ ارتباطه بسوريا، لا سيما اقتصادياً، وعين النازحين السوريين في لبنان كركيزة على طفرة الغاز اللبناني المرتقبة. ونسب النزوح السوري تفاقم نسب البطالة في لبنان، ما يؤدي لهجرة اللبنانيين، وينافس العامل السوري نظيره اللبناني معتمداً على المساعدات الخارجية وعلى مستوى معيشي أدنى، وإذا لم تُحلّ مشكلة عودة النازحين إلى سوريا بسرعة، فإن لبنان 2035 سيعود ساحة حرب طائفية كما يريد ترامب.