تم أمس الجمعة تنفيذ أول استهداف للقاعدة الأمريكية في منطقة التنف جنوبي سوريا، في حادثة أخذت صداها في وسائل الإعلام العربية والأجنبية لا سيما الأمريكية، وتزامن هذا الاستهداف مع تزايد انتشار العديد من التساؤلات في الأوساط الأمريكية حول مبررات الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وجدواه وغيرها من إشارات الاستفهام المرتبطة بهذا الوجود.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية، نشرت تقريراً حول هذا الاستهداف أشارت خلاله إلى أن “هذا النوع من الهجمات يثير إرباكاً وقلقاً في صفوف الجنود الأمريكيين وقيادتهم، نظراً إلى تمكّن المسيّرات من اختراق نظام دفاعي جوّي متعدّد الطبقات، قامت القوات الأمريكية بنشره في منطقة التنف، ويحوي رادارات ومناطيد مخصّصة لكشف الدرونز الصغيرة، واعتراضها عبر منظومات اعتراض صاروخية وتكنولوجية، ويُعدّ الاستهداف الأخير الأوّل لقاعدة التنف في عام 2023، والأوّل أيضاً منذ تغيير التحالف الدولي اسم -جيش مغاوير الثورة- إلى اسم -جيش سورية الحرة-، مع عزل قائده السابق مهنّد الطلّاع، وتعيين فريد القاسم بديلاً منه”.
معهد ” brookings” الأمريكي للدراسات جعل من هذا الاستهداف مناسبة لتناول بعض تفاصيل الوجود الأمريكي في سوريا وثغراته، مشيراً إلى أن: “الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في سوريا تبدو مشوشة والدور العسكري غير واضح، حيث قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي (لا يوجد حل عسكري قابل للتطبيق للصراع في سوريا)، ومع ذلك -بدون سياسة واضحة فيما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة – يتبقى لنا التزام عسكري مفتوح، وبالتالي في محاولة لتحقيق التوازن بين المصالح الإقليمية والعالمية المتنافسة، ينتهي بنا الأمر بالحفاظ على الوضع الراهن، وفي هذه المرحلة تعتبر التنف أمتعة استراتيجية لأن الحفاظ عليها يفوق معظم الفوائد الإقليمية ويؤثر على توفر الأصول العسكرية للبعثات الأخرى”.
وأشار الموقع في تقريره إلى أن حماية الوجود الأمريكي في التنف يتطلب إجراءات أمنية عديدة، لافتاً إلى أن ” تأمين التنف يتطلب وجود قوات أكثر، تكون قادرة على حماية نفسها بقوة رد فعل سريعة، ودعم مدفعي، وقدرة طبية، وجهد استخباراتي قوي لاكتشاف التهديدات، ثانياً: يجب أن تكون لديهم قوة نيران قريبة أو تحت الطلب للردع، للرد على الاستهداف، إن احتمال استخدام القوة الجوية للتحالف للدفاع عن العلم الأمريكي فوق التنف هو الرادع الحاسم، لكن هذا يتطلب أن تكون هياكل الطائرات محمولة جواً وتزود بالوقود وجاهزة للقتال في أي لحظة”، وخلّص التقرير إلى أن “هناك مخاطر تصعيدية قائمة مع الوجود العسكري الأمريكي الممتد في التنف، لقد تصرفت روسيا سابقاً بالفعل بشكل استفزازي ضد قوات التحالف في التنف، والخطر الأكبر على الإطلاق، وهو خطر عدم الانتباه، فقرار عدم التصرف هو فعل بحد ذاته” مشيراً إلى أن “الحفاظ على نفس هيكل القوة مع تطور الأوضاع على الأرض يؤثر على قدرة أمريكا على العمل والتشغيل والتركيز في مناطق أخرى من العالم”.
وموقع “المونيتور” الأمريكي أشار أيضاً إلى أسباب أخرى تتحدث عن أهمية الوجود الأمريكي في التنف، لافتاً إلى أن “سبق أن استخدمت طائرات مقاتلة إسرائيلية الممر على طول الحدود الأردنية- السورية والمجال الجوي حول التنف لاختراق الأجواء السورية لشن ضربات” لافتاً إلى أنه “تعمل في التنف فصائل الجيش السوري الحر، المعروفة سابقًا باسم جيش مغاوير الثورة ، إلى حد كبير على توفير الأمن حول الموقع”.
وحول أهمية هذا موقع التنف بالنسبة لواشنطن أكد “المونيتور” أن “التنف تقع عند معبراً رئيساً على الطريق السريع بين بغداد ودمشق”.
في الوقت الذي تؤكد فيه التحليلات السياسية والدراسات الأمريكية وجود ثغرات للوجود الأمريكي في سوريا، لا يظهر أن بوادر للانسحاب الأمريكي من البلاد، الأمر الذي يُشير إلى أن واشنطن باتت مُلزمة بوضع سياسة جديدة وواضحة إزاء وجودها في سوريا، تعمل من خلالها على سد هذه الثغرات، ويبدو من خلال هذه التحليلات الأمريكية أن هذه السياسة تفرض على واشنطن بعض التنازلات.