“القوة والتطور والاقتصاد حكرٌ علينا، ومن يريد أن يعمل ويجتهد سنتعامل معه بالصواريخ والقنابل”، بهذه العبارات يمكن اختصار سياسية الولايات المتحدة تجاه أي أمة على وجه الكرة الأرضية تسعى للتطور والنهوض بمجتمعاتها.
سياسة العقوبات هي السياسة المتبعة من قبل الإدارة الأمريكية تجاه أي دولة لا تعمل على زيادة النفوذ الأمريكي العالمي أكثر وأكثر أو تقوم بمشاريع اقتصادية لا تعود بنفع على الإدارة الأمريكية فعلى سبيل المثال يريد ترامب من ألمانيا أن تشتري الغاز من الشركات الأمريكية، حيث يقوم وإدارته بتهديد الشركات الألمانية والأوروبية بالعقوبات، لمنع استجرار الغاز الروسي، وتأخير افتتاح أنبوب غاز “السيل الشمالي 2”.
الأمر ذاته يجري لكن على صعيد أوسع وأكبر مع الصين التي باتت تقترب من الوصول إلى الاقتصاد الأمريكي وذلك عن طريق مشاريعها الاقتصادية الخاصة والتي لا تقوم على نهب ثروات الشعوب أو إجبار أنظمة ودول على دفع “الأتاوات” للولايات المتحدة بحجة الحماية، بل يقوم اقتصادها على استثمار الطاقات الشعبية بصورة منتظمة سنحت لها أن تصبح قوة اقتصادية عالمية تتطور بشكل ملفت يوماً بعد يوم.
سعت الولايات المتحدة إلى إيقاف التطور الصيني الحاصل على كافة الأصعدة ولعل أبرزها الاقتصادية وذلك من خلال فرض سيل من العقوبات قبل الوصول إلى تسوية تفرض على الصين توقيع عقد مع الولايات المتحدة بشراء ما قيمته 200 مليار دولار سنوياً من البضائع، لكن كل تلك الإجراءات لم تمكن الولايات المتحدة من الحد من تنامي التنين الصيني الذي باتت تخشى أن يبتلعها في حال استمر بالنمو.
عدم تمكن الولايات المتحدة من مجاراة التنامي الاقتصادي دفعها لخلق مشكلات سياسية متتالية كموضوع انفصال إقليم هونغ كونغ قبل أن تصل الأمور يوم أمس إلى التهديد العسكري المباشر، حيث نقلت نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر قوله: “إن الولايات المتحدة تقوم بتجهيز قواتها في جميع أرجاء آسيا وتعيد تمركزها استعداداً لمواجهة محتملة مع الصين”، وقدمت الصحيفة تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مشيرة إلى أنها “تلخص المكون العسكري لموقف إدارة ترامب المتشدد تجاه بكين”، لافتة إلى أن إسبر شدد على أن بلاده “ستواصل إرسال سفن حربية إلى المنطقة لمواجهة الصين”.
وتحدى إسبر الصين، مشيراً إلى أنه “بالنسبة لحاملات الطائرات الأمريكية، فقد جرى إرسالها إلى بحر الصين الجنوبي منذ الحرب العالمية الثانية، وسنستمر في التواجد ولن يوقفنا أحد … سنستمر في إجراء التدريبات هناك”.
وتأتي تلك التصريحات بعد أسبوعين من المناورةٍ العسكريّة التي قامت بها الصين في بحر الصين الجنوبي وتضمّن استعراض صواريخ باليستية مداها مِن 3000 إلى 4000 كم، يُمكن تحميلها برؤوس نووية أو تقليدية وقادرة على تدمير حامِلات الطائرات الأمريكية في المحيط الهادي.
خلال اليومين الفائتين كشف كبير المُستشارين الاستراتيجيين للبيت الأبيض ستيف بانون عن خطة متكاملة لدى الرئيس دونالد ترامب لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني ثم إسقاطه تتضمّن حرباً تكنولوجية ومعلوماتية، واقتصادية، وتتضمن الخطة محاولة السيطرة على بحر الصين الجنوبي.
لا ندري إذا كانت تلك التصريحات تصب في سياق الحرب العسكرية الفعلية أم أنها مجرد حرب نفسية تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى دفع الصين لتغير سلوكها والحد من تطورها، لكن ليس هناك ما يؤكد بأنه في حال قيام الحرب أن تكون الولايات المتحدة هي الرابح فيها حيث حذرت المرشحة لتولي وزارة الدفاع ميشيل فلورنوي من احتِمال انزلاق بِلادها في مُواجهة مع الصين، وقالت “إنّ أمريكا ليس بِوسعِها إحراز تقدّم سريع في الجو أو الفضاء أو البحر”.
ومن جهة أخرى يبدو بأن السياسة الأمريكية القائمة على فرض العقوبات لم تعد تؤتي أوكلها إذ أنها لم تحدث أي تغيرات تريدها الولايات المتحدة لافي الصين أو روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية أو حتى سورية وفنزويلا، خصوصاً وأن تلك العقوبات تعكس منطلق ضعف لدى الولايات المتحدة وليس منطلق قوة، فالقوي يمتلك أوراق تفاوض، أما تلك العقوبات تعكس أن الإدارة الأمريكية لم تعد تمتلك أي أوراق تفاوضية.