في الوقت الذي دعت فيه واشنطن إلى إجراء اجتماع مفاجئ في جنيف، نهاية الأسبوع الماضي، للبحث في الملف السوري، مع اثنتي عشرة دولة، رداً على الدور الروسي والإيراني، إزاء التقارب بين أنقرة ودمشق، وهو ما أعلنت الولايات المتحدة رفضها الواضح له، بهدف ضمان الوجود الأمريكي وتحصينه في شمال شرقي سوريا، تترافق هذه التحركات السياسية بأخرى ميدانية تتمثل بتحريك الحوار الكردي – الكردي، بغية إيجاد صيغة تفاهم مع تركيا.
وينطلق المشروع الأمريكي “باستغلال الضغوط الروسية المتواصلة على “قوات سوريا الديموقراطية – قسد”، والمندرجة في إطار جهود موسكو لتطبيع العلاقات السورية – التركية، حيث تُمثّل التفاهمات الأمنية إحدى أبرز ركائز التطبيع، وذلك حول سُبل تمكين دمشق من السيطرة على المناطق الحدودية، وإبعاد “قسد” مسافة مقبولة بالنسبة لأنقرة عن الحدود”، بحسب ما نقلته صحيفة “الأخبار” عن مصادر كردية.
حيث تهدف واشنطن إلى إحياء مسار قديم، عبر توحيد الموقف الكردي والتوصّل إلى اتفاق بين “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يقود “الإدارة الذاتية” والمدعوم أمريكياً، و”المجلس الوطني الكردي” المدعوم تركياً، ويترافق المشروع الأمريكي المطروح، مع مغريات اقتصادية تقدّمها الولايات المتحدة لأنقرة و”قسد”، بعد استثناء مناطق من سوريا من عقوبات “قيصر”، وتُعوّل واشنطن على أن يخلق ذلك نموّاً غير متوازن يخفّف الأعباء الاقتصادية عن تركيا ويقنعها بهذا المسار، الذي يَعتبره الأمريكيون بوّابة لتشكيل حلف وازن بين القوى التي تسيطر على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، يمكنه التأثير بشكل فاعل في المفاوضات السياسية مع دمشق ،
وأوكلت واشنطن هذه المهمّة إلى مبعوثها الجديد إلى “قوات سوريا الديموقراطية – قسد”، “نيكولاس جرانجر”، الذي تم تعيينه في نهاية آب الماضي، خلَفاً للمبعوث الأمريكي السابق “ماثيو بيرل”، بعد أن فشلت المساعي الأمريكية خلال الأشهر الماضية في توفير المناخ المناسب لاستئناف المفاوضات، بالرغم من إجراء المبعوث الأمريكي ماثيو بيرل لقاءات عديدة مع “قسد” و”المجلس الوطني الكردي” و”أحزاب الوحدة الوطنية الكردية” بهدف استئناف المفاوضات الكردية المتعثرة منذ نهاية العام 2020.
وفي هذا الصدد، بحث المبعوث الأمريكي “نيكولاس غرينجر”، مع وفد من الأحزاب السياسية التابعة لـ “الإدارة الذاتية” التلويح التركي بعملية عسكرية، وأوضح أن “وجود تمثيل دبلوماسي للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا يمثّل تأكيداً على جدية الإدارة الأمريكية في دعم المنطقة والسعي لتثبيت الأمن والاستقرار فيها”، مؤكداً أن “واشنطن أرسلت رسائل رافضة للهجمات التركية… وشددت على ضرورية تفعيل مسار الحل السياسي للأزمة السورية”، بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”.
يشير مراقبون إلى أنه من غير الواضح مدى قدرة الجهود الأمريكية على التأثير على موقف تركيا، التي ستُجري على الأرجح مقارنة بين فوائد خطّة واشنطن التي تسعى إلى تثبيت الوضع الراهن من جهة، والجهود الروسية – الإيرانية للانفتاح على دمشق، من جهة أخرى.
كما أن أنقرة تُظهر رغبتها في مواصلة العمل وفق مسار “آستانة” الذي يُفترض أن يحقّق لها مكاسب عديدة، أبرزها التخلّص من عبء اللاجئين، وإبعاد الوجود الكردي عن حدودها الجنوبية، فهي ملفات باتت مستعجلة بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية العام المقبل.
أثر برس