ارتبط التصعيد الأخير الذي شهدته جبهة الكيان الإسرائيلي الشمالية والمتمثلة باستهداف الأراضي المحتلة بعدد من الصواريخ ومن كل من سوريا ولبنان والداخل الفلسطيني، بملفات عدة سواء على صعيد الداخل الفلسطيني أو الشرق الأوسط، كما طرح هذا التصعيد إشارات استفهام حول مآلاته وتبعاته واحتمال حدوث عمل عسكري واسع النطاق على إثره.
ولفت مقال نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية إلى ضيق خيارات الكيان الإسرائيلي في هذا التصعيد، حيث نشرت: “ما يميز تسلسل الأحداث هذا هو ضعف الحكومة الإسرائيلية في الاستجابة لها، وافتقارها إلى خيارات لأخذ زمام المبادرة بدلاً من الانجرار وراء الأحداث، فلدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خيارات استباقية قليلة، إن وجدت”، مضيفة أن “مشكلة نتنياهو ليست فقط نقص الخيارات العسكرية، فهو مقيّد سياسياً أيضاً” وخلُصت الصحيفة إلى أنه “من غير المرجح في هذه المرحلة أن توجد حملة عسكرية تلقي بظلالها على ما تبقى من عيد الفصح وعيد الاستقلال في وقت لاحق من شهر نيسان …نتنياهو يعلم أنه سيدفع ثمناً سياسياً باهظاً في كل الحالات، وهو لا يمكنه الشروع في عملية كبيرة في حين أن وزير دفاعه يوآف غالانت، لا يزال يواجه خطر إقالته”.
وأشار تقرير نشرته صحيفة “القدس العربي” إلى أنه “يبدو أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أجمعت على ضرورة توخي الحذر الشديد بسبب حساسية التوقيت المتزامن مع رمضان، واعتكاف عشرات آلاف الفلسطينيين في هذه الفترة داخل الحرم القدسي الشريف، الذي أثارت مشاهد اقتحامه كل الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وقرّبتهم من حالة انفجار، مثلما تأخذ بالحسبان أن التصعيد في الداخل يمكن أن يرافقه تصعيد من الأراضي اللبنانية والسورية أيضاً، مما يعني الوقوع في فخّ يخطط له أعداء إسرائيل، وعلى رأسهم إيران التي تعمل لمحاصرة إسرائيل، بما يشبه فكي الكماشة، كما قال الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين”.
ومن جهة أخرى لفت المحلل السياسي الدكتور أحمد الدرزي في مقال نشره موقع “الميادين نت” إلى أن ” الحرب مع إسرائيل كانت ضرورة من بداية اجتياح ثورات الربيع العربي، التي لم تخرج عن مشروع حلف الناتو، الذي عقد مؤتمر لشبونة، في شهر شباط عام 2010، والذي بموجبه تم تأسيس لجنة الحكماء الاثني عشر، بقيادة مادلين أولبرايت وعضوية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، والمستشرق برنارد لويس، وفؤاد العجمي وغيرهم، وهي التي أقرَّت بعد اجتماعات على مدى عام ونصف، خطة السيطرة على كامل دول البحر الأبيض المتوسط، في مؤتمر بروكسل في نهايات 2010، ابتداءً من تونس، وقد كان من الممكن إيقاف هذا الاجتياح، باجتياح مقابل” مضيفاً أنه “قد يكون ما يحمله شهر رمضان من مؤشرات لتصاعد المواجهة مع إسرائيل داخل فلسطين، وخاصةً في القدس والضفة الغربية، وما يمكن لحركات المقاومة في لبنان وغزة وكامل فلسطين، هو الفرصة الأهم لتحقيق قفزة كبيرة على طريق تثبيت واقع جديد، يستطيع أن يحسم مدى إمكانية استمرار كيان لا جذور اجتماعية وتاريخية له في فلسطين، ويدفع بكل القوى الإقليمية الدولية في النظام الدولي الجديد، إلى الإقرار باستحالة تحقيق هذا النظام باستمرار هذه الحالة الشاذة، التي هي بالأساس جزء أساسي من النظام الغربي المهيمن، والاستقرار والأمن في سوريا لن يتحقق ببقائه، وأكثر ما يمكن أن تحصل عليه هو الهدنة المديدة نسبياً”.
بينما لفت المحلل السياسي خيّام الزعبي، في مقال نشرته صحيفة “رأي اليوم” إلى أن “مساعدة كل من إيران وسوريا لحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في فلسطين، بالإضافة إلى القوّة الصاروخية التي يمتلكها والقادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، فضلاً عن قدراته الهجومية التي ما تزال في ارتفاع مستمر من ناحية الكم والكيف، تعني أنه ليس من مصلحة إسرائيل فتح جبهة مع حزب الله، ليصل الأمر بالمقابل إلى اعتبار أن سيناريو الحرب القادمة مع حزب الله سيكون الأخطر في تاريخ إسرائيل، فإن المنطقة تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير”.
وحول تأثير الملفات الشرق أوسطية بهذا التصعيد نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” المقرّبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” تقريراً للصحافية “دانا شمعون”، أكدت فيه ارتباط هذا التصعيد بملفات شرق أوسطية سيما التقارب السعودي- الإيراني، حيث قالت: “على الرغم من أن نطاق عمل إسرائيل واسع، إلا أنه ما يزال أضيق إلى حد ما مما كان عليه في الماضي، في ضوء نهج إيران في الحصول على أسلحة نووية، وطالما أن التهديد النووي الإيراني يتكثف، فمن الواضح أنه لا يوجد وقت وموارد لإهدار الطاقة على الأنظمة الجانبية التي ستشتت الانتباه عن النقطة الرئيسية، ولكن هذا المفهوم يحتاج أيضاً إلى الفحص، ويجب إيجاد التوازنات التي تسمح بالتلاعب الصحيح في هذه اللعبة الدقيقة”، مضيفة أن “التقارب الإيراني مع السعودية ودول الخليج يخلق وضعاً جيوسياسياً غير مريح لإسرائيل، والتحدي الآن هو تركيز الجهود لمنع إضعاف المحور المعتدل في المنطقة، وإحباط وضع سقوط مزيد من الدول في أحضان إيران، ودور الولايات المتحدة في هذا السياق أساسي، في ضوء محاولات طهران الأخيرة لكسب تأييد مصر أيضاً”.
وفي السياق ذاته لفت الدرزي في موقع “الميادين نت”: “تتعامل إسرائيل مع مجمل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة بقلق شديد، وخاصةً أن هذه المتغيرات تدفع نحو إخراج سوريا من كارثتها، بعد أن سقط الحاجز المرتفع بينها وبين السعودية وبقية دول الخليج ومصر، وبين إيران التي تشكل الخطر المباشر والأكبر عليها” مضيفاً أن “إسرائيل لا تريد للكارثة السورية أن تنتهي، قبل أن يتم الاعتراف بدورها الأكبر على مستوى الإقليم، الذي يعني لها فقدانها الزوال التلقائي، لذا هي تعمل على إمكانية عرقلة بناء النظام الإقليمي الجديد، من البوابة السورية، لمنع الإحاطة بها من القوى التي تعدّها جذرية في مسألة استمرارها بالوجود، وهذا ما عبّر عنه عباس غلرو، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، التابعة للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية: كل المناطق المحيطة بالأراضي المحتلة يسيطر عليها محور المقاومة، والجبهات مكتظة بالأسلحة الاستراتيجية”.