أثر برس

تجربة الفتنة: العراق يرقص على حافة الهاوية

by Athr Press A

خاص|| أثر برس لم ينتظر زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر لحظة واحدة بعد انتهاء مهلة الاثنتي والسبعين ساعة التي كان قد منحها للقوى السياسيّة العراقيّة، للرد على مبادرته القاضية بخروج كل القوى السياسية من الحكم بما فيها “التيار الصدري” نفسه، ليبدأ تنفيذ مرحلة من شأنها أن تأخذ العراق إلى واحدةٍ من أخطر منعطفاته، منذ سنوات الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، فما التداعيات التي أوصلت العراق، الأمس الإثنين، للرقص على حافة الهاوية؟

شرارة المواجهة الأولى

خلال أشهر من المفاوضات الفاشلة لتشكيل الحكومة، في أعقاب انتخابات تشرين الأول النيابية عام 2021، عمّت الفوضى السياسية أرجاء البلاد، في خلاف على اختيار مرشح لرئاسة مجلس الوزراء، وبدأت شرارة المواجهة الأولى فعليّاً، عندما جاء ترشيح “محمد شياع السوداني” لهذا المنصب، من قبل قوى “الإطار التنسيقي”، الذي سبق أن تولّى مناصب وزارية عديدة في حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الثانية، كما أنه كان عضواً في “حزب الدعوة” الذي يتزعمه الأخير، الأمر الذي اعتبره الصدريون استفزازاً لهم، ودفعهم إلى التحرك بشكل مفاجئ، فاقتحموا البرلمان وقاموا باعتصامات مفتوحة داخله، لإسقاط ترشيح “السوداني”، في آخر تموز الماضي، وبذلك عمد زعيم التيار الصدري إلى استخدام السلميّة بالمبدأ.

طموحات “الصدر” و”المالكي”

أدّت نتائج الانتخابات الأخيرة إلى حصول “الصدر”، على 73 نائباً، وهي الكتلة الأكبر في البرلمان المؤلف من 329 مقعداً، بينما يملك “المالكي” العدد الأكبر من النواب بين قوى “الإطار التنسيقي”، وأمام هذه النتائج مرر الأخير مرشحه “السوداني” لرئاسة مجلس الوزراء، حيث يتطلع المالكي بأن تكون كتلته “ائتلاف دولة القانون” البديل عن الصدر في تمثيل القوى السياسية، لأن هذه القوى ترى أن قبول الصدر بانضمامها للحكومة العراقية لا يخرج عن كونه شكليّاً، وأمام طموحات الرجلين، اكتمل تشكيل الأزمة السياسية في بغداد، ولا سيما أن الخلافات تمتد إلى الإجراءات المترافقة مع أي انتخابات قادمة، وذلك بالنظر إلى آلية إجراء الانتخابات، وهوية مَن سيشرف عليها، لأنه يؤثر بشكل كبيرعلى نتائجها، علماً أنه كانت لقوى “الإطار التنسيقي” سابقاً مآخذ على الفرز الإلكتروني في الانتخابات الأخيرة، باعتبار أنه أتاح التلاعب بالنتائج، بينما يريد الصدر أن تجري الانتخابات بإشراف أممي، وهو ما لا يريده المالكي والإطار التنسيقي، كذلك قبل الوصول إلى يوم الاقتراع، يتعيّن أيضاً الاتفاق على طريقة حلّ مجلس النواب الحالي، باعتبار أن قسماً من آليات الحلّ غير متاح حالياً، لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ما يترك خياراً وحيداً هو حلّ المجلس نفسه بنفسه.

بين التعطيل والاقتتال

انتهج زعيم التيار الصدري طريقته المعهودة نفسها، في الاشتباك السياسي، عبر المظاهرات والنزول إلى الشارع، بحسبان أن حالة الصدريين هي حالة “جماهيرية” أكثر منها “عسكرية”، وهو الذي أكد مراراً أن التوجه للاقتتال لن يحصل، لأنه يعلم مسبقاً بأنه لن ينجح فيه، وبذلك لجأ إلى الأدوات الدستورية بهدف حل البرلمان، وطالب القضاء العراقي بذلك، مبرراً طلبه بحصول مخالفات دستورية متمثّلة في انتهاء مهل اختيار رئيس جمهورية ورئيس الحكومة، وبأن الكتل السياسية لن ترضخ “لمطالبة الشعب بحلّ البرلمان”، لكن مجلس القضاء الأعلى رد على هذا الطلب بأن مهامه تتعلق بإدارة القضاء فقط وليست من بينها أي صلاحية للتدخل في أمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية الوارد في الدستور.

ساعة الصفر

رغم حديث الصدر المتكرر عن رفضه الدخول في اقتتال مسلّح، وهو الذي رفع شعار “نزع سلاح الميليشيات”، بمختلف تصنيفاتها، أعلن فور انتهاء مهلة الاثنين وسبعين التي منحها للقوى السياسية من أجل الانسحاب من السلطة، اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي، دافعاً بأنصاره للتحرك نحو المنطقة الخضراء ببغداد، والتي تضم المقار الحكومية الحساسة، حيث اقتحموا هذه المرة القصر الجمهوري، وأعلنت السلطات العراقية إثر ذلك فرض حظر التجول الشامل في بغداد، بالتزامن مع تنصل مقتدى الصدر من أفعال أنصاره، وأدت الاشتباكات التي افتعلتها “سرايا السلام” المسلّحة التابعة للتيار الصدري مع القوى الامنية العراقية إلى مقتل حوالي 23 شخصاً وإصابة العشرات بحسب مصادر طبيّة عراقيّة.

العودة إلى الصفر

يرى مراقبون أن التيار الصدري لم ينجح في جر فصائل الحشد الشعبي إلى الفتنة، رغم قيام أنصار مقتدى الصدر، بالهجوم على مقرات الحشد وحرقها في بغداد والبصرة، بل إن التيار ظهر أمام الرأي العام العراقي والعربي، بأنه عدو للشرعيّة وأمن العراق الوطني، حيث أدت الاشتباكات العنيفة إلى سقوط قتلى وجرحى من القوى الأمنية العراقية، ما اضطر مقتدى الصدر إلى الظهور في مؤتمر صحفي، طالباً من أنصاره الانسحاب من المنطقة الخضراء في بغداد، وإنهاء الاحتجاجات، فاستجاب أنصاره لهذا النداء في صورة دراميّة، وانسحبوا!

يبدو واضحاً أن الأزمة التي افتعلها مقتدى الصدر بالأمس، لم تلقَ ترحيباً أمريكياً، حتى أن واشنطن لم تعلن إغلاق سفارتها في بغداد، رغم أن الاشتباكات دارت في محيطها بالمنطقة الخضراء وكأنها كانت على علم بمحدودية العملية وتوقيتها، وخاصة أن الأمريكيين لا يريدون أن تدخل العراق في أزمة من شأنها أن تؤثر تداعياتها على توريدات النفط العالمية، حيث ينتج العراق 4 مليون برميل نفط يومياً.

علي أصفهاني

اقرأ أيضاً