تتسارع تطورات المشهد السياسي والعسكري في محافظة إدلب بصورة بدأت تفرض خلافات بين طرفين مهمين على ساحة الحرب السورية والمتمثلين بروسيا وتركيا ، في ظل مساعي أمريكية لتعزيز هذ الخلاف.
حيث شهدت العمليات العسكرية للجيش السوري في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة “جبهة النصرة” المصنفة على قائمة الإرهاب العالمي تطوراً ملفتاً تمثل بمقتل 6 جنود أتراك قبل يومين أثناء تقدم الجيش السوري في تلك المنطقة ليعقب ذلك سلسلة من التصريحات التركية التي لم تخلُ من نبرة التهديد قبل أن يقوم الرئيس التركي بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكشف فيه عن رد الرئيس الروسي على مطالب أردوغان بوقف العمليات العسكرية في المنطقة لا بل وعودة الجيش السوري من المناطق التي تقدم إليها مؤخراً.
بالتوازي مع حديث أردوغان الاستفزازي، ورد الخارجية السورية عليها استمر الرد ميدانياً باستمرار عمليات الجيش السوري على الأرض واستعادة المزيد والمزيد من القرى رغم التصريحات التركية الهجومية، لا بل ومحاصرة المزيد من النقاط التركية.
استمرار تلك العمليات يوحي بأن رد الرئيس الروسي على أردوغان لم يكن كما يريد الأخير وهو ما يعكسه تصريحات وزير الخارجية الروسي عندما دعا خلالها تركيا “إلى الالتزام الصارم بالاتفاقات التي توصل إليها رئيسا البلدين في سوتشي”، قبل أن يأتي بيان مفصل للخارجية الروسية جاء خلاله “للأسف، في هذه المرحلة، لم يتمكن الجانب التركي من الوفاء ببعض الالتزامات الهادفة لحل المشكلة في إدلب جذرياً”، مشيراً إلى عدم تمكّن أنقرة من “فصل المعارضة السورية المسلّحة، التي تتعاون مع الأتراك والمستعدة للحوار مع الحكومة السورية في إطار العملية السياسية، عن إرهابيي جبهة النصرة”.
الرئيس بوتين أعطى فرصة منذ عام 2018 للرئيس التركي كي ينفذ التزاماته في فصل “جبهة النصرة” عن باقي التشكيلات المسلحة التابعة لتركيا والتي في الواقع لم يعد لها وجود حقيقي في إدلب، ولم تخرج روسيا عن أي التزام، فعلى ماذا تستند تركيا في تصريحاتها التي تتحدى فيها روسيا والدولة السورية؟
اعتمدت السياسة التركية منذ بداية الحرب السورية على موازنة الدفة بين القطبين الروسي والأمريكي لتحقيق مصالحها في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، وهو ما بدا واضحاً خلال اليومين الفائتين، ففي العمليات التركية في مناطق الشمال السوري تستند تركيا في تصريحات مسؤوليها على اتفاقها مع الجانب الروسي وتهاجم الأمريكيين في حين تفعل العكس فيما يخص العملية العسكرية في إدلب فتسند على الأمريكيين وتهاجم الروس، وهو ما بدا بشكل واضح من خلال الدعم الذي تلقاه أردوغان من الأمريكيين ودفعة لتعالي نبرته التصعيدية، عبر إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنها “تدعم حق أنقرة المشروع في الرد على اعتداء الجيش السوري على القوات التركية في محافظة إدلب“، وقد جاء ذلك على لسان المتحدثة باسم الوزارة، مورغان أورتاغوس، التي قالت: “نقف إلى جانب تركيا الحليفة في الناتو، ونعزّي حكومتها في ضحايا الهجوم، وندعم حقّها المشروع في الدفاع عن النفس، ونواصل التشاور مع الحكومة التركية”.
التصريحات الأمريكية تؤكد وحدة المصالح الأمريكية – التركية فيما يخص إدلب وإبقاء هذه المحافظة تحت سيطرة “جبهة النصرة” المصنفة على قائمة الإرهاب العالمي، فالولايات المتحدة تريد ألا تنعم سورية بحالة من الاستقرار في ظل وجود الدولة السورية المعارضة للسياسات الأمريكية وتريد إبقاء أي نوع من التوتر على الأراضي السورية، ولكن ماذا تريد تركيا من إدلب؟
كل العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا في سورية كانت تحت ذريعة حماية أمنها القومي من الوحدات الكردية وشكّل تواجد تنظيم “داعش” في منطقة جرابلس والباب أول ذريعة لقيام الأتراك بأول عملية عسكرية احتلت خلالها تلك المنطقة عبر عملية “درع الفرات”، ومن ثمّ عملية “غصن الزيتون” وما أعقبها من احتلال عفرين، وأخيراً عملية “نبع السلام” التي احتلت خلالها أراض في مناطق الشمال السوري، أما الآن فلا يوجد ذريعة أمام الأتراك حول ما يجري في إدلب سوى أن الرئيس التركي يريد احتلال هذه المنطقة واقتطاعها من الأراضي السورية بالإضافة لتأمين خزان بشري في عملياته العسكرية الخارجية التي لا يود خلالها أن يعرض جنوده للخطر كما يجري في ليبيا، وهو الأمر الذي لن يقنع الرئيس الروسي ليحدث أي تغيير في خارطة العمليات العسكرية هناك التي لا تزال مستمرة حتى اليوم على الرغم من تعزيز تركيا لقواتها هناك.
الرئيس الروسي يمسك بالعديد من الملفات المهمة لأنقرة كالمفاعل النووي والتبادل الاقتصادي المتنامي بين الطرفين ناهيك عن ملف صواريخ “إس 400” الروسية التي بالتأكيد أنها لن تتمكن من استخدامها بوجه الطائرات الروسية التي تعرف كل أسرارها إن لم تقم بإيقافها.