ما إن تم الإعلان عن انسحاب “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)” من ريف حلب الشمالي، أعلنت السلطات التركية عن اعتقال عدد من الأفراد الذين علاقات مع “الهيئة”، وأشار الخبراء حينها إلى ارتباط الحادثتين ببعضهما، وأنهما تحملان خلفية واحدة.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “النهار العربي” اللبنانية مقالاً أشارت خلاله إلى أنه: “من غير الواضح حتى الآن، ما إذا كان انسحاب القوات التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” من مدينة عفرين خلال الأيام الماضية، جاء بفعل ضغوط تركية، أم أنه يأتي في سياق مخطط الهيئة التي لا تريد أن يكون لها حضور عسكري كثيف في عفرين نتيجة ما يمكن أن يجرّه ذلك من تبعات إقليمية ودولية، مستغنية عن ذلك بالحضور المموَّه تحت غطاء الفصائل المتحالفة معها مثل فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه والقطاع الشرقي من أحرار الشام”، مضيفة: أنه “من الواضح أن واشنطن لا تثق بقدرة أنقرة أو ربما بإرادتها في إيجاد حل نهائي وسريع لإعادة الوضع في مدينة عفرين إلى سابق عهده، وهو ما يتطلب عملياً إجبار أبو محمد الجولاني على سحب جميع مقاتليه وعناصر أجهزته الأمنية من عفرين ومحيطها، وعدم السماح له بفرض سيطرة الظلّ من خلال اتخاذ الفصائل المتحالفة معه كغطاء لتحقيق ذلك، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تدّعي أنقرة أنها تعمل على إخراج الجولاني من عفرين بينما تستمر في تقوية حلفائه والتستر على تحالفهم معه من خلال دعمهم مادياً أو تسليحهم وإجراء تدريبات مشتركة معهم؟”.
ووسط هذه الاتهامات التي وجّهت ضد تركيا، كانت الصحف التركية من أهم الأدوات التي حاولت أنقرة من خلالها توضيح الموقف، حيث لفتت صحيفة “أيدينليك” التركية إلى أنه “تحول خروج هيئة تحرير الشام من إدلب ودخولها عفرين بالدبابات في الأيام الماضية وتقدمها باتجاه أعزاز مرة أخرى إلى حملة ضد تركيا واعتبار أن أنقرة هي من فتحت الطريق أمام الهيئة للدخول”، مشيرةً إلى موقف واشنطن بالتحديد حيث قالت: “في الواقع، كان الغرب دائماً هو الذي يلعب دوراً في نمو هيئة تحرير الشام، وإدارة أموالها وصقل قائدها”، مضيفةً: أن “أولئك الذين يعيشون في المنطقة يرون أيضاً أن الولايات المتحدة ليست صادقة بشأن هيئة تحرير الشام، حيث يقول السياسي الكردي في عفرين جلال منلا علي: إن الولايات المتحدة ليست جادة في عفرين”.
فيما نشرت صحيفة “حرييت” التركية مقالاً حاولت من خلاله تفسير سبب توجه “الهيئة” في هذا التوقيت إلى عفرين، حيث قالت: “إن حقيقة قدرة هيئة تحرير الشام على إظهار قوتها من خلال دخول منطقة عمليات القوات المسلحة التركية هي مسألة تحتاج إلى توضيح، وموضوع كيف دخل التنظيم إلى هذه المنطقة على الرغم من وجود تركيا كان موضوع تكهنات وتعليقات كثيرة في الأوساط التي تراقب سوريا في الأيام التي تركناها وراءنا”، ونقلت عن الخبير التركي سرحات أركمن، تأكيده على أن من جملة الأسباب التي دفعت “الهيئة” للتوجه إلى عفرين هو “الصراع اللامتناهي على السلطة داخل الجيش الوطني السوري، فالجيش الوطني السوري يضم العديد من الجماعات المختلفة عن بعضها ولديها مطامع قيادية ونزاعات قبلية واختلافات اقتصادية واجتماعية، وعداوات ناشئة عن تقاسم الغنائم منذ سنوات، والعامل الثاني يكمن في أن هيئة تحرير الشام تشعر بأنها مضطرة للتوسع والسيطرة على المزيد من المناطق من أجل الحفاظ على بقائها.. واقتصاديا هي بحاجة للسيطرة على مناطق مثل عفرين والأعزاز والباب”، موضحاً أن “إدلب منطقة لا توجد فيها موارد طبيعية، والإنتاج الزراعي غير كافٍ، والإنتاج الصناعي يكاد يكون صفراً، وهي بحاجة للسيطرة على طرق التجارة”، مشيراً إلى أنه في المرحلة الحالية فإن “الصيغة الوحيدة التي يمكن أن تنقذ هيئة تحرير الشام هي تغيير اسمها، وتحويل وجهتها إلى الشمال والشرق إلى مناطق لا تعطيها دمشق وموسكو أهمية من الدرجة الأولى”.
منذ أن دخلت “الهيئة” إلى ريف حلب الشمالي، أكدت كافة التقديرات بما فيها التركية، أن أنقرة بأمسّ الحاجة في هذه المرحلة لخلق كيان عسكري قوي وموحد، مؤكدة أن تركيا لا تستطيع الاحتفاظ بوجود “الهيئة” في عفرين لذلك تعمل على سحب “الهيئة” شكلياً بعد تمهيد الأرض لتمكين الفصائل التي تحالفت معه.