بالتزامن مع اختتام أعمال القمة العربية في جدّة السعوديّة يوم الجمعة الفائت، التي طغت على المشهد العربي والإقليمي والدولي، وسط مشاركة الرئيس بشار الأسد فيها للمرة الأولى منذ الحرب في سوريا، تصاعدت التصريحات السوريّة- التركية تعليقاً على مسار التقارب الذي تدعمه روسيا بين البلدين، ولا سيما بعد إعلان موسكو عن بداية العمل الفعلي على خارطة هذا المسار.
ويبدو أن أربعة اجتماعات بين الوفود السورية والتركية، وآخرها الاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا في 10 أيّار الجاري لم تفضِ إلى توافقٍ بشأن انسحاب القوات التركيّة من الشمال السوري، الذي تراه دمشق أساساً للتطبيع مع أنقرة، على حين يصرّ الرئيس التركي على إبقاء قواته لمحاربة “الوحدات الكردية” التي يصنّفها إرهابية.
دمشق: الانسحاب شرطٌ للتطبيع
استهلّ الرئيس بشار الأسد كلمته في قمة جدّة بالحديث عن “الأخطار التي لم تعد محدقة بل محققة”، وتوقف عند “خطر الفكر العثماني التوسعي المطعّم بنكهة إخوانية منحرفة”، مطالباً جامعة الدول العربية بأن “تأخذ دورها لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها من خلال العمل العربي المشترك باعتبارها المنصة الطبيعية”، شرط “تطوير منظومة عملها عبر مراجعة الميثاق والنظام الداخلي وتطوير آلياتها كي تتماشى مع العصر”.
من جهته، صرّح وزير الخارجية فيصل المقداد في لقاء أجراه مع قناة “روسيا اليوم”، أمس الأحد، بأنّ “سوريا لن تطبّع العلاقات مع تركيا التي تحتل أراضي في سوريا”، مؤكداً أنّ “لقاء الرئيس بشار الأسد مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان مرهون بخروج القوات التركية من الأراضي السورية”.
وكان المقداد أكد عُقب اجتماع موسكو الرباعي، أنّ “الهدف الأساسي بالنسبة لسوريا هو إنهاء الوجود العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية مهما كان شكله، وهذا بالطبع يشمل القوات التركية، ومن دون التقدّم في هذا الموضوع سنبقى نراوح في مكاننا ولن نصل إلى أي نتائج حقيقية، وسنبقى نعمل ونطالب ونصرّ على موضوع الانسحاب”.
أردوغان: نحارب الإرهاب
في المقابل، يصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وجود تهديد إرهابي مستمر على الحدود مع سوريا التي تبلغ أكثر من 900 كيلو متر، ويؤكد أن السبب الوحيد لوجود القوات التركية هو محاربة الإرهاب.
كما انتقد أردوغان المعارضة التركية لإعلانها أنها ستسحب القوات التركية من سوريا في حال فوزها بالانتخابات.
واعتبر، أنّ “المعارضة تريد الانسحاب من الممرات الأمنية التي أقامتها تركيا لحماية حدودها من التنظيمات الإرهابية”، وتابع: ”ماذا قال هؤلاء؟ قالوا سنهدم، ماذا سيهدمون؟، الآثار التي قدمناها لبلدنا وأمتنا، وقالوا سننسحب، من أين سينسحبون؟ من الممرات الأمنية التي أقامتها تركيا لحماية حدودها، لن تعطيكم شرطتنا ولا قوات الدرك ولا جنودنا هذه الفرصة”، وفقاً لشبكة “CNN” الأمريكية.
بدوره أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بأن جيش بلاده مستمر في عملية مكافحة “الإرهاب” حتى تحييد آخر إرهابي، مشدداً على “مواصلة عمليات القوات التركية ضد “الإرهابيين” في شمال العراق وسوريا لدفنهم في الحفر والمخابئ التي حفروها”.
رفع سقف التفاوض
يرى المحلل السياسي أحمد القربي، أنّ “التصريحات المتبادلة بين أنقرة ودمشق محاولة لرفع السقف قبل البدء في التفاوض برعاية موسكو”، لافتاً إلى أنه “من الممكن أن يقدّم أردوغان تنازلاً من قبيل انسحاب تركي جزئي أو تقييد الدعم المقدم لفصائل المعارضة”، وفقاً لما نقله موقع “العربي الجديد”.
ويعتقد القربي بأنّ “هذه التصريحات لن توقف مسار التطبيع الحاصل بين تركيا وسوريا؛ ولكن هذا التطبيع يحتاج إلى وقت في ظل تضارب المصالح، والشروط التي يضعها كل طرف”.
يُشار إلى أنّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أشار إلى أنه “تم التوافق خلال الاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية بموسكو على خارطة طريق لإعادة اللاجئين السوريين”، كاشفاً أنّه “يجري التخطيط لعقد لقاء ثلاثي بين رؤساء تركيا وروسيا وسوريا”، توازياً مع تصريحات وزير الخارجية فيصل المقداد التي أكد فيها أن لقاء الرئيس بشار الأسد مع نظيره التركي أردوغان مرهون بخروج القوات التركية من الأراضي السورية”.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف علّق بشأن موعد الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الرباعي، قائلاً: “موعد الاجتماع الجديد على المستوى الوزاري بين روسيا وتركيا وسوريا وإيران لم يتم تحديده بعد”، لافتاً إلى ضرورة الانتظار إلى نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا.
أثر برس