حاص|| أثر برس في مرحلة مفصلية تشهد العديد من التطورات والمتغيرات السياسية والميدانية على الساحات السورية والإقليمية والدولية، وجّهت الأردن إلى سوريا دعوة عسكرية لاستضافة وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب.
توجه أمس الأحد، العماد علي أيوب إلى عمان للقاء برئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، حيث أصدرت الدفاع السورية بياناً جاء فيه: “تلبية لدعوة من رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، قام السيد العماد علي عبد الله أيوب نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع يرافقه عدد من كبار ضباط القيادة العامة بزيارة رسمية إلى المملكة الأردنية الهاشمية”.
الزيارة بحسب وكالتي الأنباء السورية “سانا” والأردنية “بترا”، ناقشت تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود.. والأوضاع في الجنوب السوري ومكافحة الإرهاب.. ومواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات.
إلّا أنه وبالنظر إلى ما سبق هذه الزيارة من تطورات سياسية وميدانية، لا بد من البحث في خلفياتها ودلائلها، فالدعوة الأردنية جاءت بعد استعادة الجيش السوري لمحافظة درعا التي تحمل الكثير من الأهمية لموقعها المحاذي للأراضي المحتلة، وتزامنت مع انفتاح عربي لافت تشهده المنطقة على سوريا، إلى جانب المتغيرات الإقليمية والدولية، وفي هذا الصدد أكد العميد علي مقصود في حديث مع “أثر” أن هذه الدعوة الأردنية جاءت بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية التي أوعزت لكل حلفاءها في المنطقة أن يبدؤوا بفتح المسارات الديبلوماسية أو العسكرية والاقتصادية مع الحكومة السورية”، مضيفاً أنه “باعتبار أن أمريكا حوّلت الأردن على قاعدة لمركز تواجدها العسكري عندما نقلت قواعدها من الخليج باتجاه الأردن وبدأت بنقل العديد من القوات والعتاد لسوريا باتجاه الأردن إذاً أمريكا تريد للأردن أن يكون مستقراً وبالتالي تؤمن حماية لوجودها في الأردن وهذه نقطة الضعف الأمريكية باعتبار أن الأردن بات هو في الحقيقة القاعدة الاستراتيجية ومركز الثقل للوجود العسكري وحتى السياسي الأمريكي وهذا لن يتحقق إلا عندما يكون هناك استقراراً في سوريا وهذا ما بدأت أمريكا تظهره بتغيير جوهر ونوع سياستها باتجاه سوريا”.
لكن عند الحديث عن انفتاح أردني على سوريا، فنحن نتحدث عن دولة كان لها دور كبير وبارز في دعم المجموعات المسلحة بالجنوب السوري في بداية الحرب السورية، من تدريبات عسكرية وتأمين وصول الدعم العسكري واللوجستي واحتواء لغرفة “الموك” التي ضمتهم وغيره، ما يعني أننا نتحدث عن تبدل جذري في السياسة الأردنية إزاء سوريا، بدأت ملامحها تظهر منذ الإعلان عن مناشدات لبرلمانيين ومسؤولين أردنيين الذين ناشدوا حكومتهم بضرورة إعادة العلاقات مع الدولة السورية، وصولاً إلى زيارة الملك الأردني إلى واشنطن ووضع الملف السوري على رأس قائمة اجندة قمته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وصولاً إلى مشروع تمديد الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية بضوء أخضر أمريكي، وحول هذا التغيير يقول العميد مقصود لـ”أثر”: “لا يستطيع الأردن ولا أمريكا أن يتجاهلوا دور سوريا والتحولات الجيوسياسية التي حصلت على مستوى الإقليم”، مستدلاً في ذلك بما حصل عند استعادة محافظة درعا، حيث قال: “عندما يتم تحرير درعا بهذه الطريقة ووفقاً لعملية سياسية وتسويات دون أن نسمع أي صوت للدول الإقليمية التي دعمت هذا الإرهاب والجميع يدرك أهمية هذه المنطقة باعتبارها تقع عل حدود فلسطين المحتلة يعني ذلك رغبة حقيقة بتخليص هذه المنطقة من العبء الذي بات ثقيلاً على مشغليه وداعميه”.
وبالبحث في الملفات التي نوقشت خلال الزيارة والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، نجد أن محورها الأساسي لم يكن فقط الميدان، حيث كان للشق الاقتصادي والسياسي حضوراً خلال التفاهمات، الأمر الذي يعود بالفائدة الاقتصادية للجانبين، وبهذا الصدد يشير العميد علي مقصود إلى أهمية خاصة للأردن بالنسبة لسوريا، حيث قال: “هذه الزيارة جاءت للتنسيق بين الطرفين للبدء بفتح العلاقات باعتبار أن الأردن هي البوابة السورية نحو الخليج وآسيا الوسطى، حيث تحمل الزيارة أيضاً طابع اقتصادي وسياسي وحتى ديبلوماسي لأنها تصطحب الطرق والبوابات أمام سوريا والدول العربية وبشكل خاص الدول الخليجية لتكون الأردن بمثابة رأس الجسر لانطلاق هذه العمليات وهذه الانفراجات والعلاقات العربية-السورية”.
يبدو أن هذه الدعوة الأردنية هي إحدى نتائج جملة التفاهمات التي تجري مؤخراً حول سوريا، والتي اقتضت نتائجها بضرورة الانفتاح على سوريا لتحقيق مصالح أكثر أولوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة أيضاً لتحولات إقليمية دراماتيكية فرضت على الجهات الفاعلة في المنطقة بناء أسس وقواعد جديدة للتعامل مع مشهد إقليمي ودولي جديد.
زهراء سرحان