أثر برس

جدران دمشق التي لا تقول شيئاً!

by Athr Press

ولّى الزمن الذي ينظر فيه الناس، وتحديداً الفنانون، إلى الجدران باعتبارها صماء بيضاء، أو إلى الفن كحبيسٍ في قاعات العرض المُغلقة.

الحقيقة أن العالم يعيش اليوم ثورة في مفهوم فن الشارع، هناك تيارات فنية سياسية أبرزها حركات (Guerilla Art) “فن العصابات” التي تعتمد أسلوب “التخريب الذكي”، باعتباره وسيلة لزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية. وهناك تجارب فنية أخرى، تستقي مفرداتها البصرية من الأساطير ومكونات الثقافة المحلية، تكون النتيجة من كل ذلك جدراناً تضج بالحياة والمعنى، تغزوها كائنات خرافية و رسائل جريئة، تستفز العابرين، وتحرك عقولهم ومخيلتهم.

أما في سوريا فمفهوم فن الشارع ما زال حديثاً نسبياً، وذلك ينعكس بالطبع على سوية الأعمال القليلة التي تم إنجازها في أماكن مختلفة من العاصمة، هذا إلى جانب التعقيدات الإدارية والسياسية التي تحرم الفنانين من فرصة التعبير الحر على “حيطان” مدينتهم، دون الحصول على موافقات أو إبرام عقود مع محافظة دمشق.

إذا ما تجول المرء في ساحة الأمويين، أو في أوتوستراد المزة وحي الشعلان؛ قد يقع بصره على أعمال تم تنفيذها على جدران العاصمة، تشترك معظم تلك الأعمال في كونها مجرد مساحات لونية، قد تتخللها بعض الزخارف أو الأشكال الهندسية، أبرزها بالطبع مشروع “طريق ملون”، الذي أطلقته جمعية شمس الثقافية ونفذته برفقة عدد من الفنانين الشباب في عدة أحياء من دمشق.

 

 

هناك أيضاً جدارية المزة التي دخلت موسوعة غنيس باعتبارها أكبر جدارية فسيفساء مصنوعة من بقايا بيئية أعيد تدويرها، تمتاز الجدارية عن غيرها من الأعمال؛ في توظيفها لبقايا زجاج ومرايا وخردوات مهملة وموجودة في كل منزل سوري.

على صعيد المعنى، لا يمكن أن يقال إن الأعمال المُنفذة في دمشق تحمل رسائلاً أو أفكاراً بذاتها، قد تستثنى جزئياً جدارية السلام التي أنجزها مشروع (Conexus Project)، مؤسسوه  فنانون برازيليون، سعوا للتواصل مع الناس عبر فن الرسم في عدة بقاع من العالم. تم تنفيذ الجدارية على امتداد سور مدرسة هيثم الشمعة في منطقة الزاهرة القديمة، واعتمد العمل على توظيف رموز طفولية من طيورٍ ضخمة وأوانٍ فخارية مذيلة بكلمات “حب” و”سلام”، كرسالة من البرازيل إلى الشعب السوري.

 

 

تقول شيلا زاغو، الفنانة البرازيلية القيّمة على المشروع، إنها اهتمت بتطوير نوع من الفن الجماهيري، يصل إلى كل الناس، عبر توظيف الكلمات العربية، واللعب على عنصر قوة اللون، ولذلك تم بعناية اختيار موقع اللوحة على جدار مدرسة قديمة تستقبل اليوم عدداً من العائلات النازحة، تؤكد شيلا أن رمزية اختيار المكان؛ جاءت بالنظر إلى “أن التعليم هو أول ما يتضرر جراء الحروب، ولذلك كان محزناً بالنسبة للفنانين واقع المدرسة التي لا تقوم بمهامها كمركز تعليمي”.

تضيف شيلا بأن فن الشارع قادر على خلق صلة مباشرة وسريعة مع المجتمع المحلي، بدأت منذ اللحظة التي انغمست فيها بالألوان أيدي عشرات الأطفال الذين عملوا برفقة الفنانين، واستمرت لحين انتهاء اللوحة، وبما أن لوحة فن الشارع تبقى على الجدران لسنوات لاحقة؛ فذلك يعني “استمراراً للحوار وتعزيزاً للصلة التي تم خلقها بين الفن والناس”.

 

من جانبها، تتغنى الصفحات الفنية السورية باللوحات الجدارية التي تم إنجازها محلياً في ظل الحرب، يتحدثون عن المساحات اللونية الصافية، ودور الجداريات في التخفيف من التلوث البصري، وقدرتها على زرع الأمل والسلام.

برأيي، هذا النقد يحمل كماً كبيراً من المبالغة، اللوحات الجدارية في سوريا لم تفعل حتى الآن أكثر من كسر رتابة لون الاسمنت في بقع محددة من المدينة، إلا أنها في العمق لا تقارب روح فن الشارع، ثم إن قتامة الحرب السورية؛ لا يكفي معها تلوين بضعة جدران لغرس الأمل، فالأزمات المعقدة تحتاج مساحات حرة من التعبير الحر الجريء عن أفكار الناس وهمومهم ومشكلاتهم. إن كانت “الحيطان” “دفاتر المجانين” كما يقولون، فجدران دمشق اختارت الصمت، وإلى الآن لا تقول شيئاً.

 

 

بقلم: نور أبو فراج

 

 

اقرأ أيضاً