في مثل هذا اليوم من عام 1954، وقعت محاولة اغتيال الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية، تلك المحاولة حدثت أمام الملأ ومع ذلك ظلت غامضة لعقود طويلة.
في مساء 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954 فيما كان يخطب جمال عبد الناصر، وكان حينها رئيساً للوزراء، أطلقت في اتجاهه ثماني رصاصات، وصاحب تلك العملية كان وقتها محمود عبد اللطيف.
هذا الرجل الذي اتهم وزمرته، بأنهم ينتمون إلى ما يعرف بالجهاز الخاص أو الجهاز السري للجناح العسكري لحركة الإخوان المسلمين في مصر، قيل إنه كان ماهراً في الرماية، وبما أن المحاولة فشلت، ولم يصب عبد الناصر بأي أذى، لجأ خصوم النظام إلى القول إن النظام فبرك الحادثة لحاجات في نفسه.
جمال عبد الناصر في ذلك الموقف العصيب استرد أنفاسه سريعاً وأكمل خطابه، ولكن بلغة جديدة مفعمة بالعاطفة والحماسة قائلا: “أيها الشعب … أيها الرجال الأحرار… جمال عبد الناصر من دمكم، ودمي لكم، سأعيش من أجلكم، وسأموت في خدمتكم، سأعيش لأناضل من أجل حريتكم وكرامتكم، أيها الرجال الأحرار… أيها الرجال… حتى لو قتلوني فقد وضعت فيكم العزة، فدعوهم ليقتلوني الآن، فقد غرست في هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة في سبيل مصر وفي سبيل حرية مصر سأحيا، وفي خدمة مصر سأموت”.
قُبض على محمود عبد اللطيف وآخرين في عين المكان، إلا أن المسدس الذي أطلقت منه الرصاصات باتجاه عبد الناصر اختفى، إلى أن كشفت صحيفة الأهرام أن عامل بناء صعيدي يدعى خديوي آدم، عثر عليه وانطلق سيراً على الأقدام من الإسكندرية باتجاه القاهرة ليسلم جمال عبد الناصر الأداة التي كادت أن تضع حداً لحياته في ذلك الوقت المبكر من مسيرته.
حادثة المنشية، كما هو حال الوقائع المشابهة، لا تخلو من الألغاز والغرائب، ومن روايات شطح ببعضها الخيال بعيداً، إلا أن الزمن، كان يضفي المزيد من الظلال على الأحداث التاريخية فهو أحياناً وفي غفلة، يفتح بعد زمن طويل طاقة من ضوء على ما جرى ويعيد الأمور إلى نصابها.
يمكن القول إن ذلك هو ما حدث لمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية عام 1954، إذ أقر المتهم الثالث خليفة مصطفى عطوة منذ نحو خمس سنوات وكان له من العمر 81 عاماً، بأن حادثة المنشية حقيقية وأن محاولة الاغتيال جرت بالفعل وتحديداً في الساعة الثامنة إلا خمس دقائق.
أما لماذا لم تنفذ السلطات المصرية حكم الإعدام بهذا الرجل، كما فعلت في 9 ديسمبر/كانون الأول 1954 مع ستة آخرين؟.
الجواب كان من فم عطوة وفحواه، أن جمال عبد الناصر استبدل حكم الإعدام الذي صدر ضد ثلاثة طلاب من المدانين في تلك المحاولة الفاشلة بالسجن 25 عاماً، وكان هو من هؤلاء، فهل صدق الرجل في شهادته وقد بلغ من العمر عتيا؟