خاص || أثر برس
تقف أمينة على زاوية الفرن لتبيع ربطة الخبز بـ 150 ليرة في وقت الذروة و 100 ليرة في الأوقات المتوسطة، بعد وقوفها لساعة كاملة للحصول على عدد قليل من ربطات الخبز تعود لبيعها مرة أخرى للمارة الذين لا يرغبون بالوقوف على طابور أحد الأفران الرئيسية في مدينة القامشلي، وتقول السيدة التي كانت تعمل “خياطة”، في ريف دير الزور الشرقي “كل 3 ساعات أبيع 5 ربطات”، وهذا يعني أنها تربح ما بين 250 – 500 ليرة، ما يجعلها تعمل لمدة تسع ساعات متواصلة في مختلف الأحوال الجوية لتتمكن من إعالة أسرتها بـ “لقمة حلال”.
الصيد لـ “ناس وناس”
يعتبر “مصطفى”، أن الأسماك في نهر الخابور تختلف عن الأسماك في بحيرة الأسد المشكلة خلف سد الفرات بمدينة الطبقة، فالأمر لا يتعلق بالأنواع أو الأوزان وحسب، إذ يقول الشاب الأربعيني إن “شكل السمكة حين تخرج من الماء يختلف”.
يضيف الشاب الذي فرّ من الطبقة منذ أن كان تنظيم “داعش” مسيطراً عليها، أن العمل في نهر الخابور غريب، فالنهر يجف صيفاً بشكل كبير ويصبح الصيد شبه نادر، في حين أن مياه الشتاء غير مناسبة للصيد بسبب زيادة الطين فيها، وإذا ما قرر الذهاب إلى بحيرات السدود، فإن القوانين الموضوعة من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” تمنعه من ذلك، فهو بحاجة لموافقة أمنية و “ورقة كفيل”، على أن يختار زاوية غير مباعة.
لا تراعي “قسد” فترة “منع الصيد” التي كانت الدولة السورية تلزم الصيادين بها للسماح لقطيع الأسماك بالتكاثر، ولأن العمل في صيد الأسماك النهرية لـ “ناس وناس”، فإن ضرورة الحصول على دخل قد تدفع “مصطفى”، المتخرج من المعهد المتوسط الزراعي إلى العمل في “الفعالة”، لينقل الطوب أو يعمل في حفر الأساسات ليعيل أسرته، وفي النهاية “كله شغل المهم نعيش”.
من بستان إلى “بسطة”
علاقة “أبو جميل” المنحدر من مدينة “عفرين”، بالزيتون تشابه علاقته بـ “أولاده”، ويصف الرجل الذي تجاوز عتبة العقد السادس من العمر، بأنه ترك في قريته الواقعة إلى الغرب من عفرين 200 من أولاده، فالأشجار التي زرعها ورعاها منذ كانت “شتلة”، كبرت معه وتفوق أعمار أولاده.
يأمل “أبو جميل” بالعودة إلى “عفرين” بعد استعادة السيطرة عليها وإخراج القوات التركية والفصائل الموالية لها منها، ويقول في حديثه لـ “أثر برس”، أن غربته قاسية وإن كان يعيش في مدينة سورية أخرى، ففي تلك القرية ترك أشجاراً تعرفه منذ أن ترك مقاعد الدراسة وهو في الصف الخامس الابتدائي، ويوضوح: “أحصل على بضاعتي من التجار الذين يتمكنون من الحصول على الزيتون من المناطق السورية التي تنتشر فيها الفصائل المدعومة تركياً كـ “جبهة النصرة”، أُميز الزيتون العفريني، فلو كانت حبة واحدة موضوعة في كيس سأكتشف إنها من عفرين بمجرد أن ألمسها”.
لا يريد أبو جميل التصديق بأن القوات التركية جرّفت قريته واقتلعت أشجار الزيتون للبحث عن الذهب والآثار، ويقول: “لو قطعوا أشجاري سأموت فوراً، العلاقة بيني وبين بستاني أكبر من المال، هي علاقة ذاكرة، فتحت كل شجرة ثمة حكاية، وبقية من رائحة أم جميل التي استشهدت بنيران الجيش التركي قبل أن نتمكن من الفرار من المنطقة قبل عام مضى”، ويقول بحرقة “كيف تحول البستان إلى بسطة..؟”
مهنته حرمها “داعش”
بين بيع السمن العربي والأجبان، شكلت “الكمأة” مادة إضافية على بسطة “أبو الجود”، كما يحب أن يسمي نفسه، فـ “ماهر” البالغ من العمر 34 عاما، ويقطن في مدينة الحسكة بعد نزوحه من ريف دير الزور الشرقي، لم يجد ما يعمل به بعد إصابته بإحدى الغارات الأمريكية على “جديد عكيدات”، فقرر أن يفتح “بسطة” لبيع مشتقات الحليب التي يمكن أن تقاوم عوامل الطقس أكثر من غيرها.
يضيف “أبو الجود”، خلال حديثه لـ “أثر برس”، أن مبلغ 3000 ليرة سورية كصافي للربح اليومي، لا يكفي لمواجهة تكاليف الحياة في النزوح، فالمنزل المستأجر وتكاليف الحصول على الطاقة الكهربائية من المولدات (الأمبيرات)، إضافة للحد الأدنى من المواد الأساسية، تكلفه أكثر من ذلك بكثير، وهو يضطر لانتظار المعونة الشهرية التي يرسلها له أحد أخوته من الإمارات العربية.
السمن العربية ومشتقات الحليب والكمأة، مواد يعرفها أكثر من غيرها، يجيد وصفها والتعامل معها تبعا لكونه تربى عليها، إلا أن مهنته الأساسية في تصوير حفلات الأعراس إلى جانب متابعته لأرضه الزراعية كانت تقيه حر السؤال، إلا أن الحرب سرقت منه أرضه، وسرقت من الناس أفراحهم، فالأعراس اليوم تجري بأقل قدر ممكن من التكاليف، والتصوير واحد من الأمور التي استغني عنها طيلة سنوات وجود تنظيم “داعش” نتيجة لتحريمه من قبل التنظيم وتكاليفه.
محمود عبد اللطيف – المنطقة الشرقية