مِن الخصائص الجيوسياسية للمعارضة السورية ارتباطها اللوجستي ببعض أنظمة دول الخليج العربي ومستقبلها السياسي في المنطقة، كما ذكرنا في الجزء الأول من مقالنا سابقاً، فكان لزاماً على دول الخليج الدعم المباشر لها، بما يتوافق مع مصالحها، ولكن رغبة قطر في تحقيق المكانة الإقليمية والدولية من خلال الخروج من مدار الهيمنة السعودية على قرارات بعض دول مجلس التعاون الخليجي، لم تنقذها من الغرق في مستنقع دعم الإرهاب الذي رتب لها بإشراف أميركي، وأداء سعودي ممتاز.
هذا التوجه المفاجئ لسياسة دول الخليج جعلت فصائل المعارضة تتقاتل فيما بينها وتستخدم أسلوب التصفية السرية لقادة الفصائل عدا أن توجه الاتهامات إلى بعضها البعض، وهذا ما ترجم على الأرض مؤخراً في الغوطة الشرقية، بين كل من “جيش الإسلام” وهيئة “تحرير الشام، إضافةً إلى الاقتتال الأخير الذي دار بين “أحرار الشام” وجيش الإسلام”، ولا ننسى التغيير الذي حصل في “أحرار الشام” الممولة تركياً بدءاً بالقائد الجديد حتى شمل التغيير جميع الهيئات الإدارية والعسكرية، ويمكننا القول بأنه مؤشر الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، بعيداً عن الاتهامات التي وجهها “جيش الإيمان” في بيانٍ له إلى “جبهة النصرة” بتحريض مقاتلي “حركة أحرار الشام” على الانشقاق عن “الحركة”.
وبالانتقال إلى الحدث الهام، الذي حصل في الغوطة الشرقية بريف دمشق، من الاقتتال الذي دار مؤخراً بين “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، نلاحظ توافق حصل أولاً بين الفصيلين بوقف إطلاق النار بعد اتهامات بالتخوين ووصف بعضهما البعض “بإفشال الثورة”، بهذا يكون الطرف الروسي قد أنهى ضم “فيلق الرحمن” إلى طاولة المفاوضات وترتيب أوراق المفاوضات الجديدة للمرحلة المقبلة، ومحاربة تنظيمي “داعش” و”النصرة”، عبر الوسيط المصري الذي يسعى إلى لعب دور رئيسي في الحل، ليتم مرحلة انضمام “فيلق الرحمن”، إلى المعارضة.
أما اللاعب التركي فله دور مهم لايمكن تجاهله، والذي يعتبر أساسي ولكن على صعيد محادثات أستانة، فبعد انحصار نفوذه في إدلب وريف حلب فإنه بالتأكيد سيحرص على التواجد في أي اجتماع أو اتفاق يخص أي منهما، لأن إدلب، تشكل لهه ثقلاً هاماً، ويكون لديه ذريعة لدخول إدلب، وهذا ماترجمه المقترح التركي الذي تداولته وسائل إعلامية ومصادر تركية، لتحييد مدينة إدلب من عملية عسكرية تحضر لها أربع دول، “أميركا، روسيا، بريطانيا، فرنسا”، والذي ينص على تشكيل هيئة إدارية محلية مدنية للمدينة تتكفل في إدارة شؤونها الإنسانية والحياتية، مع تحييد الفصائل المسلحة عن إدارتها، إضافةً إلى تحويل الفصائل المسلحة اإلى جهاز شرطة رسمي، يتكفل بحفظ الأمن في المدينة، وحل “هيئة تحرير الشام” بشكلٍ كامل”، حسب ما تداولته تلك المصادر.
بهذا تكون جميع الأطراف متوافقة، وقد أنجزت المرحلة المهمة بالانتقال إلى العملية السياسية، وتقسيم مناطق النفوذ عوضاً عن العمليات العسكرية على الأرض التي لاتنتهي، تمهيداً لدخول المعارضة سياسياً، ضمن إطار حكومة سياسية توافقية تدير أمور البلاد.