خاص|| أثر برس مضى أسبوع على حالة التصعيد فيها ولا تزال درعا تتصدر المشهد السوري، في محافظة تتشابك فيها التداخلات الدولية فلا بد أن يكون للتصعيد فيها مساحة في المشهد الدولي، خصوصاً بعد أن جُمدت تطوراتها بين حل عسكري تحاول جميع الأطراف تجنبه، وبين مفاوضات متعثّرة عالقة عند عدة بنود.
عند الحديث عن تصعيد في درعا فنحن أمام أطراف رئيسية لا يمكن تجاوز الحديث عنهم وعن دورهم في السنوات الفائتة، وهم الدولة السورية وروسيا و”إسرائيل” إلى جانب الدور الخليجي، فهذا التصعيد العسكري والتوتر الأمني يعود إلى المحافظة بمشاهد مماثلة لتلك التي شهدتها عام 2011 عندما كان يُكشف عن أدوار “إسرائيلية” وخليجية تؤكد حجم الدعم العسكري واللوجستي الذي كانت تقدمه هذه الجهات للمجموعات المسلحة في الجنوب السوري، لتأتي عام 2018 المبادرة الروسية التي نتج عنها اتفاق تسوية يقضي بتسوية أوضاع المسلحين فيها وتسليم أسلحتهم وسيطرة الفيلق الثامن بقيادة “أحمد العودة” على عدة مناطق شرقي البادية، إلا أن هذا الاتفاق لم يقدّم لدرعا حلاً فاصلاً حاسماً، فمنذ تنفيذه لم تنتهي مشاهد الاغتيالات والفلتان والتوتر الأمني في المحافظة، وبعد مضي 3 سنوات باتت موسكو محرجة أمام المجتمع الدولي، الأمر الذي أكدته أستاذة العلوم السياسية في جامعة موسكو ثريا الفرا، في حديث معها على قناة “الميادين” حيث قالت: “إن روسيا شعرت أن مخرجات 2018 كانت سيئة، فعندما يتم الاعتداء على الجنود السوريين بشكل علني فهذا يهز هيبة الدولة الروسية أمام المجتمع الدولي، خصوصاً عندما يتم الحديث عن فكرة أن موسكو لم تستطع ضبط ما يسمى بـ”السلل الأربعة)”، وفي الوقت ذاته أكده خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف، في حديث مع صحيفة “كومير سانت” الروسية: “سمعة روسيا كوسيط، في نظر المعارضة السورية والمجتمع الدولي، تتوقف على تطور الوضع في درعا”.
لماذا الآن؟
عندما نتحدث عن حالة من التوتر الأمني دامت لـ3 سنوات، كنتيجة لاتفاق رعته روسيا عام 2018، نكون أمام سؤال يفرض نفسه ويتعلق بسر التوقيت الذي اختارته الدولة السورية للدخول إلى درعا والتوجه لخيار الحسم فيها والقضاء على الفوضى، وفي هذا السياق يقول عضو مجلس الشعب خالد العبود في حديث مع “أثر”: “اختيار التوقيت في تقديري غير مرتبط بعنصر الزمن بل مرتبط بطبيعة الأحداث في درعا التي وصلت إلى مكان لا الدولة ولا المجتمع يتحمل المزيد من منتجات الفوضى الحاصلة”.
اللافت أنه منذ الإعلان عن اتفاق 2018 أبدت الدولة السورية عدم ارتياحها لكافة بنوده، متوقعة أن يجري ما جرى، أما الموقف الروسي بقي مصراً على ذلك الاتفاق، ليكون أمام نتائج محرجة له ويبدو أنها غيّرت قناعاته وبعض مواقفه، وقال العبود في هذا الصدد: ” الروسي غير في مواقفه، فبعدما أعطى هذه المجموعات في 2018 فرصة أصبح اليوم مقتنعاً أن هذه المجموعات تخللها أدوات فوضى تتحكم بها من الخارج وسوريا اقتنصت هذه الفرصة وحاولت الدخول إلى تلك المناطق” مضيفاً أن “الروسي كانت لديه معلومات ليست كاملة عن الفوضى ومكونات الفوضى في الجنوب لذلك تعامل معها على أنها أداة معارضة وبعد مرور هذه السنوات الثلاث اقتنع أنها لا تخدم مشروع معارضة وإنما تحمل مشروع فوضى لذلك ليس بإمكانه الصمت أكثر”.
“العبود” أشار إلى أن الجانب الروسي حريص على ألا يخسر المزاج الشعبي، مؤكداً أنه وخلال لقاءه بوفود روسية خلال السنة والنصف الماضية رأى أن الروس قد التمسوا حالة تذمر السوريين من بعض سياساتهم خصوصاً فيما يتعلق باتفاق درعا.
“إسرائيل”:
يبدو أن الجانب الإسرائيلي لا يزال يأخذ دور المراقب لأحداث درعا، وكما هو معلوم فإن “الجانب الإسرائيلي” ومنذ بداية أحداث الدولة السورية بقي حريصاً على وجود حالة توتر في الجنوب السوري وعدم اقتراب الجيش السوري من المناطق التي يحتلها، وفي هذا الصدد يقول العبود: “قولاً واحداً الإسرائيلي عطل وصول الجيش السوري إلى الجنوب ولصالحه أن تبقي هذه المنطقة غير مستقرة وغير آمنة ولصالحه ألا يصل جيش الدولة السورية إليها لأنهم يخشون إمكانية أن يصرف الرئيس باشر الأسد إنجازه هذا بعناوين وطنية لجهة فرض قواعد اشتباك جديدة عليه.
يشير هذا الواقع إلى أن الدولة السورية قد تكون فعلاً اتخذت قرارها ولا تنوي تقديم أي تنازل، أما العثرات التي تواجه الحل النهائي، فيبدو أنها مرتبطة بتباينات في مواقف الأطراف المتعددة في الجنوب السوري لا سيما الروسي والسوري، حيث أوضح عضو مجلس الشعب هذه الفكرة بقوله: “هناك رؤى غير متطابقة حول آلية دخول الدولة إلى هذه المناطق بالنسبة للروسي والسوري لأن الروسي في الجنوب ليس سياساً بل هو عسكري وبالتالي العسكر يتعاملون مع واقع ميداني وبالتالي لا يبدل هذا الموقف برشاقة لأن العسكر الذين يديرون هذه العملية في الجنوب بالنسبة للروسي، مشيراً إلى أن الحل يكون بترك الدولة السورية تتصرف من خلال أدواتها وإمكانياتها لتستعيد هذه المناطق مثلما استعادت دوما والزبداني وغيرها.
يبدو أن الوضع في درعا فرض على الدولة السورية قراراً يقضي بالحسم النهائي فيها، وبالاطلاع على تفاصيل ما يجري نجد أنه لا تراجع سوري ولا محاولات روسية ضاغطة على سوريا لتقديم أي تنازل، ما يشير إلى أن درعا قد تكون أمام مرحلة جديدة قد تغيّر قواعد الاشتباك في تلك المنطقة.
زهراء سرحان