وسّعت الإمارات علاقاتها مع روسيا والصين مستفيدةً من إعادة الترتيب الجيوسياسي في العالم مع بدء الحرب الأوكرانية في شباط 2022، في خطوةٍ شكلت اختباراً لعلاقاتها مع واشنطن، ولا سيما أنّ أبو ظبي هي أول دولة عربية أعادت علاقاتها مع سوريا متجاوزةً الحظر الأمريكي المعلن منذ افتتاح سفارتها في دمشق عام 2018 رفقة البحرين.
استراتيجية “أصدقاء مع الجميع”
راقبت واشنطن حراك أبو ظبي وهي تعزز علاقاتها مع موسكو وبكين في الأشهر الفائتة، وهذا ما أدى إلى توتر في العلاقات الإماراتية- الأمريكية، وفق تصريح لمسؤولٍ أمريكي كبير في الإدارة الأمريكية لصحيفة “وول ستريت جورنال”، ويضيف: “إنّ الرئيس الإماراتي محمد بن زايد تشاور مع المسؤولين الأمريكيين بشأن روسيا والصين بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة، وأن علاقات واشنطن معه تتحسن، قبل زيارته إلى روسيا وبعدها، إذ تحدث مع مسؤولين أمريكيين وأمميين، ثم اتصل بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي”.
ترى الإمارات أنّ استراتيجية “أصدقاء مع الجميع” في هندسة شرق أوسط جديد من شأنها أن تساعد حليفتها واشنطن في المنطقة، فأي علاقات مع موسكو أو بكين لن تكون عائقاً أمام علاقتها الوثيقة مع واشنطن، وفي سياق ذلك يؤكد أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنّه لن يتم تعريف الإمارات من خلال التنافس بين القوى العظمى”، وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
وفي خطاب ألقاه هذا الشهر، أشاد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بالجهود الإماراتية لخفض التصعيد في المنطقة، ولا سيما أن ابن زايد التقى في تشرين الأول القائت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه في سان بطرسبرغ، وتحدث عن اهتمام الولايات المتحدة بتبادلٍ للأسرى يشمل لاعبة كرة السلة بريتني غرينر وعرض المساعدة في التبادل، وبعد ثمانية أسابيع، تم إخلاء سبيلها في قاعدة جوية إماراتية مقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، وفقاً لما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
تشابهت السياسة الإماراتية مع نظيرتها السعودية في الرغبة إلى تصفير المشاكل في المنطقة، في وقتٍ تعتمد فيه الإمارات إلى جانب ثروتها النفطية على مكانتها في المنطقة كمركز للتمويل والخدمات اللوجستية والسياحة، وعُقب الهجمات اليمنية ضدها في كانون الثاني 2022، اشتكت ذلك لواشنطن معتبرةً بأنه يهدد وجودها.
سوريا ليست استثناءً
أدت الإمارات بعد افتتاح سفارتها عام 2018 في دمشق، دوراً كبيراً في رسم مسار إعادة العلاقات العربية مع سوريا، في ظل التعنّت الأمريكي والغربي الرافض لأي تقارب مع الدولة السورية ورفضها لثلاثة أمور، وهي؛ إعادة إعمار البلاد وعودة اللاجئين إليها ورفع العقوبات عنها، في مقابل تنفيذ القرار الأممي 2254 وفق رؤيتهم حصراً.
وأرست زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق عُقب وقوع الزلزال المدمر في 12 شباط الفائت، حراكاً جديداً في مسار التقارب العربي مع سوريا، وما رافقه من تسريبات لهذه الزيارة بشأن رسائل حملها ابن زايد إلى دمشق من الرياض.
وبعد اجتماعات جدّة وعمّان والقمة العربية، التي شهدت عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية للمرة الأولى منذ 2011، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن قراراً يقضي بتمديد حالة الطوارئ على سوريا لعام آخر، على حين أقرّ مجلس النواب مشروع قانون أعدّه أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون في الكونغرس لمواجهة التطبيع مع سوريا.
وفي هذا الصدد، نشر الكاتب والمحلل الإماراتي سالم الكتبي مقالاً في موقع “إسرائيل هيوم” العبري، دعا فيه الغرب إلى إعادة التفكير في مقاربته اتجاه سوريا.
وانطلق الكاتب، الذي كان مرشحاً للمجلس الوطني الاتحادي، الذي يُعرف بالسلطة التشريعية لدولة الإمارات، من اعتبار أنه “على عكس النهج العربي الواقعي اتجاه سوريا، فإن الموقف الأمريكي ما يزال جامداً”، مضيفاً: “إنّ الغرب فشل في فهم أهمية الشراكات الاستراتيجية التي يشكّلها مع دول الشرق الأوسط وهذا واضح في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه سوريا”، لافتاً إلى أنّ الدبلوماسية الأمريكية تفتقر إلى رؤية واضحة للتعامل مع الأزمة، كما أنها تتجاهل وجهات نظر شركاءها العرب في التعامل مع الموقف، وتصر على عزل سوريا، وتظل ثابتة في رفضها لأي مصالحة عربية مع دمشق”.
وأشار الكتبي إلى أن ذلك “يثير تساؤلات حول عدم وجود حلول بديلة وقائمة على الإجماع للأزمات التي ينخرط فيها الغرب بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنه يثير تساؤلات حول مغزى هذا المنظور الغربي غير المتوازن، وهل يصوّر وجهة نظر استراتيجية محدودة، أم غطرسة لا تعترف إلا بما هو أمامها مباشرة، وتنكر القدرة على النجاح وإصدار أحكام سليمة، وإظهار الكفاءة ليس فقط لخصومها؛ ولكن أيضاً لشركائها وحلفائها؟”.
وكان الرئيس بشار الأسد، قد تلقّى دعوة إماراتية رسمية لحضور مؤتمر الأطراف للمناخ (COP28)، أوصلها القائم بأعمال السفارة الإماراتية عبد الحكيم النعيمي، بتوجيه من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وكان لافتاً أن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أعربت عن موقفها من دعوة الرئيس بشار الأسد، إلى قمة المناخ المفترض إجراؤها في الإمارات بتاريخ 12 كانون الأول 2023، مؤكدين أن الأمر تحدده الإمارات.
ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية بياناً عن مجلس الأمن القومي الأمريكي قال: “إن الأمر متروك لدولة الإمارات بمن تدعوه للمشاركة في مؤتمر المناخ”، موضحاً أنّ “الولايات المتحدة ليست لديها خطط لتطبيع العلاقات مع الدولة السورية من دون تقدّم حقيقي في حل الصراع السوري”.
بدورها، قالت الحكومة البريطانية: “إن الدعوات لحضور COP28 مسألة تخص الدولة المضيفة”.
أثر برس