أثر برس

رغم غدر رصاصة حرب بجسدها الغض.. “مرح” تتخذ من إصابتها دافعاً لتنال المراتب الأولى في الدراسة

by Athr Press G

خاص || أثر برس

لم يشأ القدر أن يسمح للطفلة مرح بأن تهرب مع أهلها خارج منزلهم دون أن يزرع في جسدها الغض ألماً من تداعيات الحرب.

مرح البالغة من العمر تسعة أعوام، كانت تخطو خطواتها الأخيرة على قدميها أثناء محاولة أهلها الخروج من حي كرم شمشم إثر المعارك التي دارت في حمص عام 2012، وقبل دقائق من وصولهم إلى بر الأمان استقر طلق ناري في عمودها الفقري الصغير وأدى إلى فقدانها الإحساس بأطرافها السفلية، وبالنتيجة إلى حدوث شلل في أطرافها الطرية.

ودخلت بعدها مرح وأهلها رحلة علاج طويلة لم يكتب لها النجاح في إعادة الحركة لأطراف الطفلة.

تقول والدة مرح لـ”أثر برس”: “إن اللحظات الأخيرة في كرم شمشم كانت صعبة جداً ولم يكن لدينا خيار سوى الخروج بأسرع وقت ممكن والفرار بعيداً عن أزيز الرصاص، وفي الخطوات الأخيرة لنا وأثناء خروجنا بواسطة سيارة، أُطلق علينا النار فأصيبت مرح بطلق ناري استقر في ظهرها وأدى إلى شللها”.

وتضيف: “بعد انتقالنا إلى حي آخر حاولنا كثيراً أن نبحث عن علاج لمرح، إلا أن الأمل كان معدوماً فاتخذت القرار بأن أتفرغ كلياً للوقوف إلى جانب طفلتي في محنتها، وساعدني على ذلك كوني أعمل في مجال التمريض وكنت فعلاً ممرضتها ووالدتها، إلا أن الإصرار الذي ظهر على مرح كان أكبر من العلاج كله فبدأت تتأقلم مع وضعها الصحي واتجهت لتبني نفسها بعيداً عن الاستسلام لمرضها”.

تقول مرح لـ”أثر برس”: “لم أكن أعلم مدى حجم الإصابة التي تعرضت لها عندما كنت في التاسعة من عمري، ولم أصدق أني لم أعد قادرة على الحركة، إلا أن مرور السنوات وفهمي لما حصل أكد لي أنه لا مجال لأن أعود كما كنت في السابق فقررت أن أحرر نفسي من قيود المرض وأعمل على بناء مستقبلي وكانت نقطة انطلاقي من مدرستي”.

تضيف مرح: “إن أصدقائي في المدرسة كانوا الدافع لي لاهتم بالدراسة مجدداً بالإضافة إلى كادر المدرسة من معلمين وإداريين الذين لم يقصروا معي، فكانوا أهلاً لي في المدرسة وكان أحد أساتذتي يحملني بيديه إلى صفي الدراسي، بالإضافة إلى أن زملائي وبالتعاون مع إدارة المدرسة كانوا يقدمون لي الدعم المادي أيضاً نظراً لوضعنا المادي السيء”.

هذا الوضع المادي فرض على الأم أن تبحث عن عمل إضافي يساعد في تأمين حاجات مرح الطبية والصحية، فقررت العمل بمجال الأشغال اليدوية وتصنيع مستلزمات زينة الأطفال، وساعدتها في ذلك العمل مرح لملء الفراغ الذي خلفه عدم قدرتها على مغادرة منزلها والتنزه كما بقية الأطفال.

مرح التي تبلغ من العمر ستة عشر ربيعاً اليوم تفوقت في دراستها الإعدادية وحصلت على المرتبة الأولى بمدرستها في شهادة التعليم الأساسي عام 2017، وكانت من الثلاثة الأوائل على مستوى محافظة حمص وهي الآن مستمرة في التفوق بالدراسة الثانوية ولديها طموح كبير للحصول على الدراسة الجامعية في كلية الطب.

مرح التي لم تعرف معنى الطفولة الحقيقية باتت قدوة للكثيرين من أصدقائها في التغلب على المرض والعمل المتفاني، فعلى الرغم من أنها خسرت وظيفة جزء من جسدها إلا أنها كسبت احترام ومحبة الجميع.

حيدر رزوق – حمص

اقرأ أيضاً