بعد تفعيل مسار التقارب التركي- السوري، أعربت واشنطن عن رفضها لهذا المسار داعية أنقرة إلى الامتناع عن التقرّب من دمشق، ومنذ كانون الأول 2022 بدأت واشنطن بالإقدام على تحركات ميدانية في منطقة الشرق السوري لا سيما في محافظة الرقة، التي سبق أن انسحبت منها قوات أمريكية، وشهدت المحافظة أول زيارة للمبعوث الأعلى للولايات المتحدة الأمريكية في مناطق شمال سوريا نيكولاس غرينجر، منذ عام 2019.
الاهتمام الأمريكي بمحافظة الرقة المتزامن مع تطوّر مسار التقارب السوري- التركي، لم يُقتصر على زيارات أمريكية إلى المحافظة، بل ترافقت هذه الزيارات مع حملات أمنية نفذتها “الوحدات الكردية” في المحافظة وفرض حظر تجوّل على المدنيين، إلى جانب تمركز القوات الأمريكية في نقاط عسكرية جديدة، حيث أفادت مصادر “أثر” بأن القوات الأمريكية تعمل على تجهيز قاعدة عسكرية جديدة في محافظة الرقة عند مدخل المحافظة وبالقرب من نهر الفرات وجسر الرشيد، في كانون الأول الفائت أكدت مصادر “أثر” أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إعادة تشكيل فصيل “لواء ثوار الرقة”، بقيادة “أحمد العلوش”، الملقب بـ”أبو عيسى”، عبر استقطاب شبان من مدينة الرقة، وتشكيل مجلس عسكري لمحافظة الرقة بقيادة “أبو عيسى”، وتحت راية “قسد”، على أن تنسحب الفصائل الكردية من خطوط التماس بالريف الشمالي للمحافظة، ومن ثم إعلان سحب “قسد”، لفصيل “الوحدات الكردية”، من بلدة عين عيسى، ومن ثم مدينة الرقة.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر مطّلعة على النشاط الأمريكي في الرقة أن “مسؤولين أمريكيين زاروا المدينة خلال الفترة الماضية، آخرهم المبعوث الأعلى للولايات المتحدة إلى شمال سوريا، نيكولاس غرينغر، وناقشوا باستفاضة أوضاع المدينة المدمَّرة، وسُبل تعزيز المشاريع الخدمية فيها، بعد نحو خمس سنوات على تدميرها من قِبَل الطائرات الأمريكية نفسها، التي استعملت مختلف أنواع القنابل والقذائف (التي يُعتبر بعضها محرَّماً دولياً)”.
لماذا الرقة؟
لا تتمتع الرقة بأهمية استراتيجية كبيرة إلى جانب خلوها من الثروة النفطية -على عكس باقي المناطق الشرق السوري-، الأمر الذي يثير إشارات الاستفهام حول سبب اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية فيها خلال هذه المرحلة بالتحديد، ووفقاً لتقارير صحفية فإن الرقة تعتبرالجسر الجغرافي الوحيد الرابط بين الحسكة شرقاً وعين العرب وعفرين غرباً، حيث تبعد مسافة 160 كم شرق مدينة حلب، ويحدها من الشمال مدينة تل أبيض ومن الشمال والشرق مدينة حسكة بمقاطعة الجزيرة فيما يحدها من الجنوب محافظة دير الزور.
وتعمل واشنطن منذ عام 2017 على تمكين نفسها سياسياً وعسكرياً في المحافظة، وذلك من خلال تمكين الوجود العربي فيها، والآن في ظل التقارب السوري- التركي ووسط تراجع العلاقات الأمريكية- التركية، تعمل واشنطن على تخفيف التوتر مع أنقرة، والعمل على معالجة بعض المخاوف التركية في الشمال السوري من خلال إعادة هيكلة “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” وزيادة المكوّن العربي فيها لا سيما في الرقة التي تعتبر محاذية لمناطق انتشار القوات التركية، والإعلان عن تحضيرات أمريكية لإنشاء “مشروع متكامل” في منطقة شمال شرق سوريا، مشيرة إلى أن هذا المشروع سيتم بعد الاتفاق مع تركيا على صيغة محددة.
تشير التقديرات إلى أن أحد التفاصيل التي تُقلق واشنطن خلال هذه المرحلة هو تزايد التنسيق التركي- الروسي في الشأن السوري، خصوصاً وسط تأكيدات أن هذا التنسيق سيؤثر على الميدان إلى حد كبير، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات تقرّبها من تركيا في سوريا ميدانياً وسياسياً.