يبدو أن معالم “صفقة القرن” أو ما تسميها الولايات المتحدة بـ”خطة السلام للشرق الأوسط” التي لا تحمل أي معنى من معاني السلام، بدأت تطبق بالفعل دون الإعلان عنها.
فبعد الإعلان الأمريكي عن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة مزعومة للكيان الإسرائيلي، وعلى الرغم من كل الانتقادات الدولية التي واجهتها تلك الخطوة، يستمر الرئيس الأمريكي بسياسته المتفردة تجاه الملفات المرتبطة بمصلحة الكيان الإسرائيلي والتي كان آخرها إعلان “السيادة الإسرائيلية” على الجولان السوري المحتل والتي تلاها نفس الاستنكار والرفض الدولي الذي لم يؤثر بشكل فاعل وعملي على القرار الأمريكي.
القرار الأمريكي حول الجولان السوري المحتل لم يكن مفاجئاً في ظل الهوان العربي تجاه القرارات الأمريكية واقتصار المواقف العربية على بعض الاستنكارات والتنديدات الخجولة التي سبق بعضها تنديدات من دول أوروبية وغير عربية، بهدف التماشي مع دول العالم والتماهي بالشكل الظاهر مع الرأي العام العربي كونه لا يوجد اثنان يشككان بأن الجولان السوري هو أرض سورية وعربية محتلة.
الإعلانات الأمريكية التي صدرت حول القدس والجولان وما سيليها من إعلانات حول الضفة الغربية في فلسطين المحتلة ومزارع شبعا في لبنان بحسب ما توقعته صحيفة “واشنطن بوست”، لم تأت إلا بعد اجتماعات مكثفة بين الوفد الأمريكي وعلى رأسه صهر الرئيس الأمريكي “جاريد كوشنير” مع عدد من القادة العرب على رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذين من المفترض أنهم وافقوا على كل ما يجري قبل الإعلانات الأمريكية، كون “كوشنير” كان يصف تلك الاجتماعات بـ”الإيجابية والممتازة”.
ومع كل هذا الهوان والخضوع العربي للإملاءات الأمريكية، يبقى هناك بصيص أمل تجاه ما تبقى من حركات مناوئة للكيان الإسرائيلي في محيط فلسطين المحتلة، فلا يمكننا تجاهل الصاروخ الذي استهدف تل أبيب يوم إعلان ترامب المتعلق بالجولان السوري، وإجباره لـ”نتنياهو” على قطع زيارته لواشنطن، الصاروخ الفلسطيني الذي لم تتبناه الفصائل الفلسطينية حمل العديد من الرسائل التي قد تشير إلى الارتباط الوثيق بين الفصائل الفلسطينية في غزة و”حزب الله” في لبنان والدولة السورية وهي الرسالة التي أوصلها الصاروخ لقيادة الاحتلال الإسرائيلي أثناء وجودها في واشنطن.
هذا الصاروخ الوحيد الذي أطلق من قطاع غزة المحاصر أربك الاحتلال الإسرائيلي ومن معه، فكيف سيكون المشهد في حال تم إطلاق مئات الصواريخ أكثر دقة وفعالية من سورية ولبنان والقطاع؟
الدولة السورية كان موقفها واضح وصريح قبيل الإعلان بأشهر، والذي جاء ولأكثر من مرة وعلى لسان كبار مسؤوليها، وتمثل بتصريح لنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في افتتاح أحد الفعاليات الإعلامية في دمشق حيث قال:” إن “الجيش السوري سيحرر المناطق السورية من أجل التفرغ للصراع مع اسرائيل وتحرير الجولان المحتل”، وهو ماقد يفسر غياب أي رد سوري عسكري مباشر حتى الآن، كونه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تفتح حرباً خارجية ويوجد داخل حدودها آلاف المسلحين المتطرفين والأجانب.
إلّا أن قرار ترامب قد يحمل في طياته شيئاً من الإيجابية، فقد “يشرّع” هذا القرار الذي حظي برفض دولي، لقيام مشروع مقاومة فعال بعد الانتهاء من معركة إدلب وشرق الفرات، على غِرار جبهات الضفة وقطاع غزّة وجنوب لبنان، دون أن تشعر الإدارتين الأمريكية والـ”إسرائيلية”، كما أن ردود الفعل العالميّة الرافضة لقرار الاعتراف الأمريكيّ بـ”السيادة الإسرائيلية” على الجولان السوري المحتل جاءت لتُؤكّد مشروعيّة هذه الخُطط في الحاضر أو المُستقبل، لننتظر الانتهاء من بعض التعقيدات السياسية القائمة في الشمال السوري التي تؤخر تلك العمليات والتي لا يخدم تأخيرها سوى المصلحة الـ”إسرائيلية”.
رضا توتنجي