خاص|| أثر برس لعل إعلان بغداد تلقيها طلباً لرعاية حوار سوري – سوري قدمته أطراف معارضة يطرح ضرورات فهم ماهية هذا الطلب، ومدى مصلحة وقدرة هياكل المعارضة الحالية على تقديمه في ظل تطورات مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، واحتمالية وجود قراءات من نوع ما لدى المعارضة -أو بعض أطرافها- التي قد تجد نفسها خاسرة في هذا المسار، فلجأت للبحث عن حلول بديلة واستكشاف فرص التفاوض مع دمشق بمسارات موازية للمسار الأممي.
في سيناريوهات الطرح العراقي
لا بد من التذكير بأن العاصمة العراقية لا تزال مطروحة لاستضافة جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، برعاية أممية، فهل التصريح العراقي إشارة للمسار نفسه أم طرح مسار جديد؟
إذا كان الطرح العراقي يشير إلى المسار نفسه، فقد يكون محاولة من بغداد للضغط على هيئة التفاوض بإيحاء وجود أطراف معارضة مستعدة للاعتراف والانخراط بوساطة العراق مع السلطة في دمشق في حال واصلت الهيئة التشكيك بوساطة بغداد. بالمقابل ستكون للهيئة مصلحة حقيقية في استضافة بغداد لـ “الدستورية” باعتباره يساعدها في المطالبة بأن تنتقل الاجتماعات في كل مرة إلى بلد جديد، كفرصة لكسر الجمود في العلاقات مع دول مختلفة فاعلة في الملف السوري، وتوسيع دائرة الاعتراف بها، وسد ذرائع صعوبة عقد الاجتماعات في جنيف.
السيناريو الثاني مرتبط بإمكانية فتح مسار جديد بين دمشق وأطراف معارضة. وهنا تتعدد الأسئلة حول تشتت هياكل المعارضة وقدرتها على التعاطي مع مسار كهذا ومصلحتها فيه.
أسئلة المصلحة والقدرة
تقوم المعارضة اليوم على بنية أساسية رافعتها القرار 2254، وهي هيئة التفاوض، وليس للهيئة أي مصلحة في الابتعاد عن مسار جنيف، بل بخلاف ذلك تماماً، فإن افتتاح مسارات موازية من شأنه إضعاف شرعيتها كممثل وحيد للمعارضة، وإثارة الشكوك لاحقاً في قدرتها على الاستمرار بتمثيل المعارضين للسلطة. يمكن أن ينسحب هذا التحليل إلى بنى في الهيئة كالائتلاف ومنصة موسكو والفصائل والمستقلين، ولكنه ينسحب بدرجة أقل إلى كل من هيئة التنسيق ومنصة القاهرة والمجلس الوطني الكردي.
من جهة ثانية، لا شك أن طلب أطراف المعارضة الرئيسية رعاية عراقية للحوار قد يتسبب بإغضاب أنقرة، وكذلك موسكو، ولا مصلحة لأطراف المعارضة الرئيسية اليوم بإغضاب التركي كونه كان ولا يزال الراعي الأول لكل من هيئة التفاوض والائتلاف والفصائل، وقد يخشى كل منهم من ردة فعل سريع من أنقرة من شأنه رفع الحماية عنهم. من هنا يمكن تفسير مسارعة الائتلاف لإعلان برائته من هذا الطلب. أما منصة موسكو المدعومة من روسيا، فلا تقوى هي الأخرى على تقديم مثل هذا الطلب في ظل الظروف الضاغطة التي تعيشها روسيا في الملف الأوكراني وحاجتها الماسة للموقف التركي هناك وهي لا تريد إثارة أردوغان حالياً.
بمقاطعة هذا السيناريو مع المسار العربي، لا يمكن إخفاء تراجع ثقة المعارضة بالدور العربي، سيما بعد “طعنة الرياض” عند إعادة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية. فما تلتها من خطوات انفتاح عربي تجاه سوريا لم يوازيها أي خطوات من دمشق في أي من الملفات التي تعول عليها المعارضة، ولم يكن هناك أي تشدد عربي إزاء ذلك ما زاد من قلق المعارضة المختلفة.
بعبارة أخرى، قد ترى المعارضة في بغداد ساحة جديدة لتفريغ المبادرة العربية من مضامينها، بعد فشل إدارة الأردن ملف العلاقة العربية مع دمشق، فلم تحقق هذه الإدارة أي مكاسب لا للعرب ولا للمعارضة، بل وتعرضت لانتكاسة بفشل “لا ورقة” عمّان في تقديم أي خطوات بناء ثقة.
عراقياً أيضاً، تتوجس المعارضة من طرح بغداد كساحة للحوار مع السلطة السورية باعتبار بغداد مساحة نفوذ إيراني برأيها، ليبدو أي انخراط معارض على الأراضي العراقية وكأنه “مغامرة سباحة خارج المياه الآمنة التي توفرها أنقرة”.
أسئلة الواقعية والتشتت
من الطبيعي أن تستفسر أنقرة من المعارضة عن موقف الأخيرة الحقيقي في حال ذهابها إلى بغداد -عند اجتماع الدستورية- في حال طرح عليها هناك أي اتفاق من نوع ما، والاتفاق معها على حدود الموافقة والرفض. لذلك يمكن اعتبار زيارة بعض الشخصيات السورية المعارضة العراق مؤخراً وإجرائها بعض اللقاءات مع قوى عراقية بارزة، محاولة لسبر أبعاد الطاولة العراقية، والاستفسار عما قد تقدمه بغداد من طروحات.
ولكن تقود تجارب عطالة مسار “الدستورية” حتى اليوم إلى خفض التوقعات بإمكانية إحداث أي خرق جديد على هذا الصعيد في بغداد، وبالتالي المعارضة لا تحتاج لساحة أخرى تثبت عدم جدوى التعويل على “الدستورية” وتظهر ضعف هكذا مسار.
من جهة أخرى، يمكن الاستنتاج أن أطرافاً معارضة من داخل هيئة التفاوض “غير منضبطة” قد تسعى لتأدية دور متمايز عن البنى الأخرى -الائتلاف والمستقلين والفصائل ومنصة موسكو- من أجل كسر حالة الجمود والاحتكار في الهيئة، في ظل حالة من الخوف بدأت تتسلل إلى المعارضة خشية على مستقبلها من تسارع سوق التفاوض التركي.
سامر ضاحي