أثر برس

في الذكرى السنوية لاحتلالها.. حصيلة أربع سنوات من الاحتلال التركي لـ “عفرين”

by Athr Press G

خاص|| أثر برس في مثل تاريخ اليوم من العام 2018، قضى أهالي عفرين صباحهم مختبئين في منازلهم، أو في البساتين المحيطة بقراهم، خائفين من رصاصةٍ قد تُنهي حياتهم، أو مجموعة من المرتزقة الذين سيزجون بهم في السجون، حاملين معهم ما تيسر من متاع منازلهم، وواقعين بين ناري التهجير القسري والفرار عبر طريق “جبل الأحلام” إلى باقي مناطق ريف حلب الشمالي، أو العودة إلى بيوتهم وتحمّل ما سيعقبه ذلك من نتائج.

أربع سنوات كاملة، مرّت منذ سيطرة تركيا وفصائلها على منطقة عفرين بمعظم أجزائها، بما فيها عفرين المدينة، وكافة النواحي الرئيسية التابعة لها، بدءاً من “بلبل“، ومروراً بـ “شيخ الحديد، ومعبطلي، وراجو، وشرّان” وصولاً إلى “جنديرس”، فيما نجت بعض القرى الصغيرة الواقعة على الأطراف الجنوبية الشرقية من الاحتلال، في ظل وصول “القوات الشعبية السورية” إليها آنذاك، بعد أن أيقنت “القوات الكردية” حتمية احتلال كامل المنطقة في حال استمرت بتعنّتها، ورفضها لمشاركة الجيش السوري والقوات الشعبية الرديفة له في الدفاع عن المنطقة.

وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، رزحت عفرين ومن تبقى من سكانها الأصليين، تحت وطأة احتلال لم يفرّق بين البشر والحجر، فمارس أبشع أنواع الانتهاكات والجرائم، عدا عن عمليات “التتريك” والتغيير الديموغرافي المستمر لهوية المنطقة، والتي عملت أنقرة خلالها على نقل كافة المسلحين القادمين من باقي المناطق السورية وتوطينهم في منازل سكان عفرين المهجرين، إضافة إلى رفع العلم التركي ورايات فصائل أنقرة فوق كافة المرافق الخدمية والمدارس والدوائر الحكومية.

ولعل كل ممارسات “التتريك” وتغيير الديموغرافية، لم تعدُ كونها جزءاً يسيراً من الانتهاكات، أمام الجرائم التي ارتكبها مسلحو فصائل أنقرة خلال السنوات الماضية، دون كلل أو ملل، مستفيدين من الخيرات الوفيرة التي لطالما اشتهرت وتميزت بها عفرين، وخاصة لناحية الأراضي الزراعية الخيّرة، بما تنتجه من محاصيل الزيتون والفواكه الموسمية، فمارسوا أبشع أنواع السرقة وفرض الأتاوات والضرائب في مقابل السماح للسكان بالعمل في أراضيهم، وصادروا المحاصيل، وقطعوا أعداداً هائلة من الأشجار المثمرة التي تحولت أخشابها إلى حطب يُباع في أسواق مدينتي أعزاز والباب المحتلتين بدورهما من قبل تركيا وفصائلها، والحديث هنا عما يقارب 400 ألف شجرة مثمرة.

وبالحديث بالأرقام عن الجرائم التي ارتكبها المسلحون بحق سكان عفرين، فأشارت إحصائية موثّقة وصلت لـ “أثر” عبر عدد من النشطاء العفرينيين، إلى وجود 157 مدني من سكان المنطقة الأصليين، فقدوا حياتهم خلال السنوات الأربع الفائتة، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، لأسباب مختلفة تنوعت بين التعذيب في سجون المسلحين، والرصاص العشوائي الذي دائماً ما يتخلل صراعات المسلحين الداخلية، والدهس عبر الآليات العسكرية سواء التركية أو التابعة لمسلحي الفصائل، ونتيجة الانفلات الأمني المستمر المتمثل بكثرة التفجيرات التي عاشتها المنطقة، فيما تم رصد عدة حالات انتحار لمواطنين قرروا إنهاء حياتهم في ظل الضغط الكبير عليهم من قبل المسلحين من جهة، وتردي الأوضاع المعيشية من جهة أخرى.

أما عدد المخطوفين والمفقودين في سجون فصائل أنقرة، فبينت الإحصائية وجود 3750 مواطن تعرضوا للخطف والاعتقال على يد فصائل أنقرة والمخابرات التركية، بينهم ألفي شخص اختُطفوا خلال العام الأول من الاحتلال فقط، حيث أشارت الإحصائية إلى وجود نسبة كبيرة من المخطوفين الذين تمكنت عائلاتهم من تحريرهم بعد دفع الفدية المالية الكبيرة التي يضعها المسلحون الخاطفون، وفقاً لمزاجيتهم بحسب هوية المخطوف ومدى قدرة عائلته المالية.

وكما هو حال البشر الذين لم يسلموا من براثن الاحتلال، لم يكن الحجر بناجٍ مما يجري، حيث شكّلت المواقع الأثرية الوفيرة التي تمتلئ بها أراضي منطقة عفرين، مصدراً رئيسياً لجني الأموال الطائلة بالنسبة لمسلحي أنقرة، والذين لم يدّخروا جهداً بدعم من القوات التركية وخبراء الآثار الأتراك، في استباحة المواقع والتلال الأثرية ونهب محتوياتها ونقلها إلى الأراضي التركية، وبيعها هناك لتجار ومهربي الآثار.

وفي حصيلة تقريبية رصدها “أثر” ودعمتها الإحصائية الواردة من النشطاء العفرينيين، فإن نحو 70 موقعاً وتلاً أثرياً في مناطق مختلفة من عفرين، تعرّضت لعمليات تجريف وتنقيب غير الشرعي عن الآثار باستخدام آليات وجرافات ثقيلة وصلت بشكل خاص من تركيا لتحقيق ذلك الغرض، حيث تم خلال تلك العمليات استخراج كميات كبيرة من اللقى والتماثيل الأثرية الهامة وسرقتها إلى جانب الآثار الموجودة فوق الأرض، ونقلها بشكل مباشر نحو تركيا، فيما تسببت عمليات التجريف والتنقيب العشوائية، بتخريب وتضرر عدد من المواقع بما فيها من آثارٍ غاية في الأهمية تعود إلى حقب وعصور مختلفة.

ومن أهم المواقع الأثرية التي تعرضت للسرقة والنهب في عفرين، مواقع “عين دارة، والنبي هوري، وبراد، وكيمار، ودير مشمش، ومزار الشيخ حميد، ومزار بافلون”، إلى جانب عشرات التلال الأثرية الشهيرة التي ما تزال تتعرض حتى اليوم لعمليات التجريف والسرقة، وفي مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر، تل “جنديرس”، وتل “برج عبدالو”، وتل “قره تبة”، وتل “شوربة”.

أربع سنوات على احتلال عفرين، وقبلها بعامين تقريباً كان احتلال أعزاز والباب وجرابلس، وما تزال تركيا تنتهج سياسة الاحتلال والتوسع بشكل أكبر في مناطق شمال حلب، التي لطالما كانت تعتبر من أهم الخزانات الاقتصادية السورية بشكل عام وخاصة على الصعيد الزراعي، وسط آمال الحلبيين عموماً، وقاطني تلك المناطق بشكل خاص، بالعودة والتخلص من الاحتلال، فهل ستعود تلك المناطق يوماً ما؟

زاهر طحان – حلب

اقرأ أيضاً