بقلم: علي أنزولا
اللقطة الأولى: انتشر عبر المواقع الاجتماعية شريط فيديو لأحد الهواة التقطه خلال رحلة لشركة الطيران المغربية من نيويورك إلى الدار البيضاء. وفي الشريط يظهر كلب فوق طاولة الأكل في الدرجة الأولى لطائرة البوينغ الضخمة وهو يأكل من نفس الصحون التي تقدم لأصحاب هذه الدرجة الفخمة.
الفيديو أثار انتقادات واسعة بين رواد المواقع الاجتماعية الذين شعروا بالاستفزاز والمهانة، لأن هذا الأمر يحصل على الخطوط الرسمية لدولة يعاني فيها الناس من الفقر، ويضطر شبابها إلى المغامرة بأرواحهم للهجرة خارج بلدانهم بحثا عن حياة أفضل.
شركة الطيران المغربية الرسمية تدخلت على الخط لتنفي أن تكون ملكية الكلب تعود إلى أحد أفراد الأسرة الملكية في المغرب، ولتقول بأن وجود كلب داخل الطائرة مع الركاب قانوني، خاصة إذا كان وزنه لا يتجاوز خمس كيلوغرامات. لكنها، عادت وأوضحت بأن صاحبة الكلب خالفت القانون عندما أخرجته من قفصه ووضعته على طاولتها ليأكل معها طعامها.
رواد المواقع الاجتماعية لم يصدقوا دفاع الشركة، فالكلب الذي يبدو في الفيديو يشبه الكلاب من فصيلة “البيتبول”، ومن خلال حجمه يبدو أن وزنه يتجاوز خمس كيلوغرامات المسموح بها. أما ملكية الكلب، فقد كشف رواد المواقع الاجتماعية أنها تعود إلى زوجة المدير العام لمؤسسة مصرفية كبيرة في المغرب، وهو ما سمح لها بأن تخرق القانون وتثير استفزاز الركاب، وتخلف موجة من السخط والإهانة في نفوس الكثير رواد المواقع الاجتماعية.
اللقطة الثانية: أكثر من شريط فيديو انتشرت عبر المواقع الاجتماعية، أغلب هذه الأشرطة، بلا أبطال لأن أصحابها لا يظهرون في الأشرطة الصوتية، لكنهم لا يخفون هويتهم. إنهم مهاجرون مغاربة يقيمون بطريقة غير شرعية في ألمانيا، لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإسماع صوتهم بعد أن وافق المغرب على ترحيلهم إلى بلادهم.
يقول هؤلاء الشباب إنهم اضطروا إلى ركوب المخاطر ومواجهة الموت غرقا، أوأثناء عبور آلاف الكيلومترات من المغرب إلى تركيا للتسلل عبر موجات اللاجئين السوريين إلى أوروبا، فلماذا تريد حكومتهم ترحيلهم وإعادتهم إلى بلادهم. أحد هؤلاء الشباب يقول بأنه كان شاهدا على ابتلاع تمساح لأحد رفاق رحلته في أحد الأنهار بمقدونيا، وتساءل لماذا لم يسألوا عن من ابتلعه التمساح ويسالون عنا نحن الذين عبرنا آلاف الكيلومترات لإعادتنا إلى الواقع المأساوي الذي هربنا منه؟
صرخات هؤلاء الشباب لا تنتهي، وكلها تشتكي من ظروف التهميش والبطالة والقهر و”الحكرة” التي دفعتهم إلى المخاطرة بحياتهم للهجرة بحثا عن واقع أفضل. وحسب وكالة الأنباء الاسبانية “إيفي” فإن عددهم يفوق 10 آلاف مهاجر غير قانوني دخلوا إلى ألمانيا خلال شهرين فقط، متسللين عبر تدفق موجات اللاجئين السوريين نحو هذا البلد خلال الشهور الماضية.
اللقطة الأخيرة: هذه المرة، اللقطة ظهرت على قناة رسمية مغربية ضمن تحقيق عن الجفاف الذي بات يهدد الاقتصاد المغربي بسبب قلة التساقطات المطرية هذا الموسم في المغرب. في اللقطة يظهر فلاح مغربي، ورب أسرة لا يملك سوى بقرة واحدة ووحيدة، لم يعد يجد ما يعلفه بها فاقتادها إلى السوق لبيعها لكن السعر الذي عرض عليه لا يتجاوز 3 آلاف درهم (نحو 300 أورو)، أي أقل من ثلث سعرها في المواسم الفلاحية العادية السابقة. الفلاح يقول إنه يفضل أن يحتفظ ببقرته، مصدر عيشه الوحيد، حتى لو نفقت بسبب قلة العلف، على أن يبيعها بثمن بخس!
طبعا، لا علاقة بين اللقطات الثلاث السابقة، سوى أن أبطالها مغاربة، لكن هناك ما هو أعمق. الشباب المهاجرون غادروا بلادهم للهروب من تعاسة واقعهم اليومي بسبب البطالة والتهميش، والفلاح الذي ساق بقرته رغما عنه إلى السوق لبيعها فعل ذلك بحثا عن قوت لأبنائه، وأما صاحبة الكلب التي حملته معها على متن رحلات الدرجة الأولى، فيبدو كما لو كانت فعلا منفصلة عن الواقع بآلاف الاميال التي تطير على ارتفاعها طائرات الخطوط الملكية المغربية.
إننا أمام مغربيْن. مغرب المهمشين والفقراء ومغرب المرفهين والأغنياء. مغرب الفوارق التي تكبر مع ازدياد حاجيات الفقراء وتضخم استفزازات الأثرياء.
في الثقافة العربية تعتبر عبارة “عيشة الكلاب” كناية على حياة البؤس والتشرد. اليوم وجب البحث عن عبارة أخرى لوصف حياة الشباب المغاربة الهاربين من بؤس واقعهم اليومي وحياة الفقراء المتعايشين مع فقرهم الأبدي. يبدو أن “عيشة” بعض الكلاب باتت أحسن بكثير من “عيشة” الآلاف من المهمشين والفقراء.
تنويه:
مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “شبكة أثر”.