أثر برس

خاص أثر|| عندما يطفئ لظى الشوق جرعة ماء وقلم وبعض من أمل.. حكاية أم

by Athr Press Z

يبدو أن الحرب لا تقلب موازين القوى العظمى والعلاقات السياسية فقط ولا تُشن على الجبهات، بل هناك حرب أقسى بكثير تتعلق بفطرة خُلقت في قلب كل أنثى، تستعر نارها  أكثر في يوم الأم.

الأم السورية وبعد سبع سنوات من الحرب لا زالت تتقد هذه النار في داخلها ليشع في محيطها نور وأمل وعطاء، وترسم ملامح حياة جديدة فرضتها ويلات الحرب.

“أم عزت” اختارت أن ترسم ملامح عالمها الجديد لتعيشه مع وحيدها الذي خطفته الحرب منها، وبعيداً عن المتهم والمسؤول عن قتل عزت كان همها الوحيد الحفاظ على تواصلها مع وحيدها في هذا العالم، ففي زحمة الحروب، كانت إحدى تفاصيل هذا العالم عبوة ماء جَعلت منها حالة خاصة، تحتضنها بين ذراعيها وتنتقل بها إلى عالم تعيشه مع ولدها حين تذهب إلى المقبرة، حيث كشفت أم عزت عن سر هذه الماء قائلة: “أول شي خلينا نلاقي أي تعبير تاني غير مقبرة، وبالنسبة للسر فأنا كتير حريصة أنو وقت روح لعند عزت أخد معي قنينة فيها مية بيتنا ووقت أصل لعندو اشرب منها شوي جنب القبر واسقي بباقي المي الشجرة الموجودة عند قبر عزت”.

وعند التعمق في سر هذا التفصيل أكثر تقول: “بيبقى حق عزت بمية بيتنا موجود، ولما اشرب من القنينة بكون حابة أنو يشوف ابني إني بدي شاركو بكل شي”.

أما أم علاء بوضعها المختلف كان لها حالتها الخاصة، أدواتها قلم وورقة ترسم فيها ملامح شوقها وتطفئ بعضاً من نار لوعتها على ولدها الذي اقتصر حلمها بوجود قبر له تغفو عليه متى تشاء، ابنها المفقود جثمانه، أم علاء تعلم ماذا يعني عدم وجود قبر لولدها وتقول: “القبر بيحسسك بالكرامة والعنفوان، وسكينة أنا مفتقدتها كتير”.

محنة عاشتها “أم علاء” بكل تفاصيلها وأثرت عليها في البداية، لكنها تحدتها بكل قوة منحها الله لها، ربما يصعب على الإنسان أن يتخيل تلك المحنة حيث وصفت حالتها بقولها: “لما شفت ولادي وجوزي بعد ما راح علاء تعبوا وبيتي بلش ينهار قررت أنو هذا البيت يلي بنيتو بدي خلي قوي واتقبلت الواقع ووزعت غراض علاء للجمعيات الخيرية وأجبرت عيلتي ترجع لحياتها الطبيعية بقوتي”.

وأكدت أم علاء أن يوم الأم له شجونه الخاصة بالنسبة إليها تعبر عنه بما سطرته بإحدى خواطرها:

الله معك يا ملاك أشبه بالقمر.. رحلت وتركت بالقلب أطيب أثر.. رحلت وطالت الغبية آه شو طال السفر.. مكانك بالقلب خالي وقلبي والله مو حجر.. ياريت شوفك بالمنام حتى اسعد واستبشر.. لضمك وحاكيك وعن أخبارك استفسر.. تمنيتك قدامي بلباس العرس تتمختر.. وماسك بإيد العروس وتتغندر.. مالك نصيب بهالدنيا نصيبك بالسما أكبر

لكن هناك من يغبط أم علاء على سكينةً يبدو أنها هي لم تشعر بوجودها ولوعة الفقدان شغلتها عنها، تفتقدها “أم سالم” بحكاية ولدها المفقود التي لا تزال متعلقة بحبال الأمل لا تعلم إلى أين ستوصلها، سالم مجهول المصير، وبالنسبة إليها عيد الأم هو إحدى التفاصيل التي تُشعرها بفراغ تركه ولدها ويتعالى صوت قلبها فيه بأسئلة كثيرة “ابني عايش ولا ميت؟، إذا عايش مرتاح ولا عم يتعذب؟، وإذا ميت اندفن بقبر؟….”، فهي محرومة من رسم هذا العالم الخاص حيث قالت: “إذا قالولي ابني ميت حارضى بنصيبي بس بدي قلبي يرتاح واعرف شو مصيرو، وحابقى معلقة بالأمل لآخر لحظة”، مؤكدة أنها تحاول جاهدة للاستمرار في الحفاظ على عائلتها وألا يؤثر غياب سالم على اهتمامها ببقية أولادها.

هؤلاء الأمهات نماذج لآلاف مثلهن، أمهات يعشن آثار الحرب بكل تفاصيلها، لكن الفرق أن جبهتهن تتمثل بحياتهن وعائلاتهن ومجتمع يعشن فيه وسلاحهن عاطفة ومشاعر قد يظن الكثير أنها ضعف وانكسار..

أما راحتهن تكون باللجوء بتفاصيل كعبوة مياه وقلم وصبر وقليل من الأمل.

زهراء سرحان

اقرأ أيضاً