خاص|| أثر في ظل الغلاء والأزمة الاقتصادية الخانقة، تعيش معظم العائلات في سوريا على تلبية احتياجاتها وتأمين مستلزماتها من خلال الشراء بـ “الدين” من أصحاب البقاليات وبائعي الخضار.
تقول يسرى (ممرضة وأم لأربعة أبناء): إنها تشتري أغراضها بالدين وتدفع مع بداية كل شهر (عندما تقبض راتبها) الذي بالكاد يكفي للمواصلات، مبينة لـ “أثر” أنها تستدين من كل المحلات التي تشتري منها حتى الخضار وأيضاً من محلات الجملة وهكذا دواليك، وعندما تقبض راتبها تقوم بتوزيعه بطريقة منظمة على كل المحلات التي استدانت منها، وتتكرر القصة نفسها مع بداية كل شهر.
ولفتت يسرى إلى أنها تعيش براتب زوجها وتؤمن احتياجات منزلها بالديون، مبينة أن رقم ديونها وصل إلى 250 ألفاً عند السمان و200 ألف عند محل الخضار وعندما تقبض تقوم بتوزيعه بالتساوي على حد قولها (ترضي كل الأطراف).
أما أبو فاضل صاحب بقالية في دمشق، ذكر لـ “أثر” أنه يعتاش من دفتر الدين الخاص في دكانه الصغير إلى جانب وظيفته الحكومية التي تعود عليه براتب لا يتجاوز الـ 120 ألف ليرة سورية بعد 30 سنة خدمة.
ويصف أبو فاضل البيع بالدين بأنه أمر مجبور على التعامل به، متابعاً بلهجته العامية اليسيرة: “الناس الله يعينها والراتب لا يكفي إلا إذا عمل الشخص أكثر من عمل حتى يؤمن مستلزمات منزله”.
وذكر أن نسبة الأسر التي ما تزال تتعامل بدفتر الديون هي بحدود 40% أما البقية فلا يحبذون هذه العادة ولا يحبونها، مضيفاً: “هناك أشخاص يدخلون لشراء سلعة محددة وعندما لا يجدون أنفسهم يحملون كامل المبلغ يتركونها مع العلم أني أقول له اتركها للمرة الجاية إلا أنه لا يقبل”.
وأكد أن كل صاحب دكان سمانة (ما بتوفي معو) إذا لم يبع بالدين والتسجيل على الدفتر.
وعن قيمة الديون، قال أبو فاضل لـ “أثر”: “أقل عائلة ديونها 400 ألف وتدفع كل شهر بالقطارة على الرغم من فرق السعر الذي يطرأ على السلع إلا أنني لا أتقاضى زيادة أبداً”.
من جهته، وائل (موظف وبائع في بقالية) بيّن لـ “أثر” أن الحال لم يكن كما هو عليه في السنوات الأخيرة الماضية، فالأرقام أصبحت بمئات الآلاف؛ لكننا بوصفنا بائعين مجبورين على فتح حساب للناس؛ لأن الجميع يعمل بهذه الطريقة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.
وتفتح أم عزام -لديها محل سمانة تعيش منه- دفتر ديونها لتطلعنا على ما فيه، وتقول: “هناك عائلات حسابها يصل إلى أكثر من 300 ألف ليرة في الشهر والأغلبية منهم أصبح الشراء بالدين عادة لديهم على الرغم من قدرتهم على الدفع كاش”.
وعن طبيعة المواد التي تُشترى بالدين وهل تختلف بين عائلة وأخرى، تقول أم عزام: “المواد الأساسية لمعيشة كل عائلة كالزيت والسمن والبيض ومشتقات الألبان بأنواعها والسكر هي في الغالب التي يطلب مني الزبائن تسجيلها، والتي زادت نسبتها في هذا العام، وذلك يعود لارتفاع أسعارها الجنوني مقارنة بمواد أخرى تعتبر من الكماليات كمساحيق الغسيل والصابون والمتة؛ لكن لا يمنع وجودها ضمن قائمة الديون أحياناً”.
من جهته بسام (صاحب محل سمانة) في دمشق، يصف نفسه بأنه واحد من الناس وما يعانونه ينطبق عليه، مضيفاً: “ولكن هناك حد معين يدفعني أحياناً لمطالبة (الديَّانة) بدفع ديونهم أو جزء منها، فالدكان بحاجة لدعمه بالبضاعة دائماً من أجل الاستمرارية فقط لا غير؛ لأن الزبون يذهب لغيري عندما لا يجد طلبه عندي، والمفارقة بأنه قد يدفع ثمن ما يشتريه كاش من دون دين عند السمان الغريب لخجله منه ربما، عدا عن أن سعر البضاعة في ارتفاع دائم وخسارتي هنا تكون أكبر إذا ما توافرت السيولة بوقتها”.
أما أبو رضوان فامتنع منذ عدة أشهر عن عادة الدين وحتى لا يحرج نفسه مع الزبائن وخاصة الأصدقاء كتب لافتة (ممنوع الدين) والسبب كما يقول لـ “أثر”: “الناس تأخذ بالدين ولا تسدد إلا بعد عدة أشهر وقيمة الليرة تتغير وسعر المواد يرتفع فأنا أمام أمرين لا ثالث لهما إما أن أتعامل بالدين مع الناس وتبقى دكانتي فارغة من أي مواد أو لم أدين أحد والأخيرة هي ما اتبعتها مع العلم مسبقاً بالعداوة التي سأقع فيها مع الزبائن؛ لكن في النهاية مصلحتي هي الأهم”.
يذكر أن غالبية السوريين يعانون من ارتفاع الأسعار “الجنوني” وعدم تناسب الرواتب والأجور مع الأسعار التي تزداد في كل يوم ما جعل الغالبية تشتكي من عدم قدرتها حتى على شراء خبزها اليومي، وسط غياب كامل لأي معالجة للواقع الصعب الذي تمر به الناس عموماً، وحتى اليوم هم بانتظار الفرج.
دينا عبد