خاص || أثر برس في وقت يفضّل العديد من كبار السن الراحة والهدوء بعد سنوات طويلة من العمل، لا يحبّذ البعض منهم البقاء من دون عمل بل يشغلون أنفسهم في مهن أو حرف جديدة، يؤمّنون من خلالها مدخول بسيط ويخرجون من دوامة الملل والاكتئاب رفضاً منهم لفكرة البقاء في المنزل ورغبة بتحسين الوضع المعيشي في آن معاً.
يقول “أبو راشد” البالغ من العمر 70 عاماً، إنه شعر بالملل بعد سفر أولاده وبقائه وحده فقرر أن يبحث عن عمل يكسر من خلاله حالة الملل التي يشعر بها ويشرح بحديثه مع “أثر”: “وجدت عملاً في مكتبة لبيع القرطاسية؛ الموضوع لا يكلفني أكثر من الجلوس من العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً مقابل دخل مادي جيد”.
وبحسب “أبو راشد”، فإن بعض كبار السن الذين لا يملكون خبرات في قطاعات معينة، يختارون العمل في مهن أو حرف بسيطة، تشغل وقتهم وتؤمّن لهم دخل مادي يضاف إلى راتب التقاعد الذي لا يكفيهم لوحده، وحتى لا يمدون يدهم لطلب المساعدة.
وهذا ما فعله “أبو رضوان” أيضاً فبعد أن سافر أولاده الثلاثة وبقي وحيداً مع زوجته قال: “مضى على تقاعدي سنة واحدة وعمري الآن 61 عاماً وبإمكاني القيام بأي عمل أحقق من خلاله دخل يضاف إلى راتبي التقاعدي لذلك تعاقدت مع محل لبيع الخضار والفواكه بأن أحضر له الخضار من سوق الهال بشكل يومي أي أعمل (سائق سيارة كبيرة) وبصراحة أنا حالياً لا أشعر بالتعب فما زلت أحتفظ بقواي الجسدية وربما أتوقف عن العمل عندما أشعر بالتعب”.
وبحسب بعض المتقاعدين الجدد الذين التقيناهم فإن بحثهم عن وظائف جديدة مردّها رفض الوقوع في فخ الفراغ القاتل، وهو الهاجس الأكبر بالنسبة لهم، فمعظمهم لا يجدون سوى المقاهي للجلوس فيها وفي هذا السياق، يقول “عبد الرحمن” الذي قضى أكثر من 30 عاماً في التعليم الثانوي، وأُحيل إلى التقاعد منذ 3 سنوات، إنّه اختار الاستمرار في مهنة التدريس بعد تقاعده فقد خصّص ركناً في بيته لتدريس طلاب الثانوي، مضيفاً أنّه يواصل التدريس ليس بسبب حاجته إلى المال أو رغبة منه في تحسين دخله، بل هرباً من الروتين والملل والبقاء لوحده، خصوصاً أنّ لديه وقتاً كبيراً للراحة خلال العطل المدرسيّة.
ويضيف أنه بقي لمدة عام من دون عمل وكان يقضي أوقاته في المقاهي بوقت كانت زوجته ما زالت تعمل ولم تحال للتقاعد لذلك هذا الفراغ والشعور بالملل جعله يعود إلى التدريس لكنّ في بيته.
من جهته، اختار “عبد الله” أن يفتتح محلا تجارياً بعد سنوات أمضاها في العمل كسائق نقل عمومي، ما أدى إلى إصابته في ظهره وعموده الفقري، فاختار الراحة بعد سنوات من التعب، لكن الفراغ والمكوث في البيت يشعرانه بملل كبير، بعدها، نصحه بعض أصدقائه بفتح محل تجاري صغير قرب بيته، يساعده على تحمّل المصاريف ويشغل وقته.
ويشير خلال حديثه مع “أثر” إلى أنّ عمله حرّ، وليس مرتبطاً بوقت محدد، موضحاً أنّه يعمل كلّما شعر بالراحة والقدرة على ذلك، يأتي إلى محله الصغير كل أهل الحي، خصوصاً من هم في سنه.
بدوره، يرى الخبير الاجتماعي لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل د. حسام الشحاذة أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي هو السبب الرئيسي والعامل الأول الذي يدفع كل الفئات العمرية وليس فقط كبار السن والمتقاعدون للعمل الإضافي.
وأشار إلى أن الرواتب والأجور اليوم خاصة في القطاع الحكومي لا تتناسب مع مستوى التضخم ولا مع المستوى الاقتصادي؛ حيث يلجأ غير الموظفين للعمل في سن متقدمة بسبب الخوف من المستقبل والقلق على الحياة المعيشية والحالة النفسية والاجتماعية.
وعن المنعكسات على سوق العمل في ظل غياب قوة العمل الشابة، بين الشحاذة أن غياب القوة البشرية الشابة يندرج تحت بند تأمين المستقبل من جهة والهروب من الخدمة الإلزامية من جهة ثانية، وسيكون له منعكس سلبي.
واقترح الشحاذة أن يكون لدى كبار السن صندوق اجتماعي يستفيدوا منه أسوة بالدول المجاورة يندرج تحت بند التكافل الاجتماعي وهذا حق لكل الموجودين في البلد ولكن ضمن ظروف البلد الحالية والعجز المالي الموجود لا يتوقع أن يتم تأسيس صندوق اجتماعي متمنياً أن يتم تأسيسه في الخطط المستقبلية لأنه يحافظ على كرامة الإنسان وخاصة لدى وصوله لعمر متقدم.
وبطبيعة الحال، هناك تخوف من غياب قوة العمل الشابة في سوريا، لتعمل في ورشات العمل شريحتان، إما كبار السن أو الأطفال، إلا أن الدافع الأخلاقي لأصحاب العمل يدفعهم لمساندتهم وإعطائهم فرص عمل في هذه الظروف.
دينا عبد