زياد غصن-خاص|| أثر برس ليس هناك مشروع سوري أثار جدلاً واسعاً منذ تأسيسه كمشروع الهاتف الخليوي، فمنذ بدايات عمله مطلع الألفية الجديدة والانتقادات والشكوك تلاحقه، تارة بحجة طريقة التعاقد التي تمت مع الشركتين المشغلتين للمشروع، والاعتقاد تالياً بأنها طريقة فوتت إيرادات غير قليلة على الخزينة العامة للدولة، وتارة أخرى بحجة أن أولوية تنفيذه كانت يجب أن تكون لمؤسسة الاتصالات الحكومية، باعتباره مشروعاً اقتصادياً رابحاً، من شأنه توفير إيرادات كبيرة لخزينة الدولة، قد توازي في أهميتها إيرادات القطاع النفطي أو تزيد عنها.
آنذاك وقف ضد المشروع بصيغته الاستثمارية المطروحة سياسيون واقتصاديون معروفون، موجهين انتقادات لاذعة له تحت قبة مجلس الشعب، في محاضرات ندوة الثلاثاء الاقتصادي الشهيرة، وفي المنتديات التي شكلت ما عرف لاحقاً بربيع دمشق. في حين كان التذمر الشعبي من المشروع يتركز على نقطتين: الأولى هي تعرفة الاتصالات والرسوم المرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، والثانية تتمثل في تدني جودة الخدمة المقدمة، لكن كل تلك الضجة لم تكن لتوقف المشروع والاتفاق المبرم بين مؤسسة الاتصالات الحكومية والشركتين المشغلتين، واللتين شهدتا خلال العقد الأول متغيرات عدة، تمثلت في خروج الشريك المصري (أوراسكوم تيليكوم القابضة) من شركة سيريتل، التي تولى رئاسة مجلس إداراتها طيلة السنوات السابقة للعام 2020 رجل الأعمال رامي مخلوف، في حين حلت شركة MTN محل شركة أريبا.
إيرادات ضخمة:
حتى مطلع العام 2006، لم تكن هناك من بيانات مالية تفصيلية خاصة بالمشروع، سوى ما يصدر عن مؤسسة الاتصالات الحكومية لجهة حصتها من إجمالي الإيرادات المتحققة، والتي تدرجت نسبتها من 30% خلال السنوات الثلاث الأولى إلى 40% خلال السنوات الثلاث التالية، ثم إلى 50% خلال السنوات التسع الباقية من مدة التعاقد البالغة 15 عاماً، وفي حال التمديد ترتفع النسبة سنوياً لتصل إلى 60%، فضلاً عن البيانات الواجب على الشركتين نشرها في الصحف اليومية قبيل الاجتماع السنوي للهيئة العامة. لكن مع صدور القانون 22 لعام 2005 القاضي بإحداث هيئة الأوراق والأسواق المالية، والتي أنيطت بها مهمة الإشراف والرقابة على قطاع الأوراق المالية والفعاليات المتعلقة به ومن ضمنها الشركات المساهمة، باتت الشركتان المشغلتان للمشروع ملزمتين بتقديم إفصاحات مالية دورية للهيئة، التي كانت بدورها تقوم بنشرها بعد تدقيقها ومطابقتها للشروط والمعايير المحاسبية، وذلك حتى الإعلان رسمياً عن إدراج أسهم الشركتين في بورصة دمشق، سيريتل في العام 2018 وMTN في العام 2019.
تظهر البيانات المالية الأخيرة المنشورة عن أداء الشركتين خلال عام 2020، زيادة كبيرة في إيراداتهما، وذلك مقارنة مع بيانات العام 2005، إذ ارتفع صافي إيرادات شركة سيريتل من حوالي 25.22 مليار ليرة في العام 2005 إلى حوالي 284.36 مليار ليرة في العام الماضي، بنسبة زيادة تصل إلى أكثر من 1036%، كما ارتفع صافي إيرادات شركة MTN (أريبا سابقاً) خلال الفترة نفسها من حوالي 21.33 مليار ليرة إلى حوالي 120.18 مليار ليرة، بنسبة زيادة وصلت إلى حوالي 466%. وهي زيادة ناجمة خلال 16 عاماً عن عاملين أساسيين: الأول زيادة أعداد المشتركين في الشبكتين وتوسع دائرة الخدمات المقدمة عبر خدمة الهاتف الخليوي، والعامل الثاني يتعلق بالزيادة التي طرأت على أجور الخدمات خلال السنوات المذكورة وفروقات سعر الصرف وغيرها. أما حصة الحكومة من إيرادات الشركتين، فقد كانت متباينة خلال تلك الفترة، بالنظر إلى أن العام 2015 شهد دخول المشروع مرحلة جديدة، تمثلت في انتقاله من صيغة عقد كان قائماً على نظام الاستثمار B.O.T إلى عقد حصلت بموجبه الشركتان على رخصة لتقديم خدمة الاتصالات الخليوية حتى نهاية العام 2034 لأسباب متعلقة بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لشبكة الخليوي جراء الحرب، والتي قيل آنذاك إن قيمتها ناهزت 200 مليار ليرة، فضلاً عن خروج حوالي 60% من الشبكة خارج الخدمة في مرحلة ما. ونص العقد بصيغته الاستثمارية الجديدة على تسديد كل شركة مبلغاً وقدره 25 مليار ليرة للحكومة السورية بدل ترخيص مبدئي، مع تحويل نسبة من الإيرادات السنوية لكلتا الشركتين إلى الخزينة العامة طوال مدة الترخيص، وذلك وفق الآتي: 50% من الإيرادات خلال العام الأول 2015، 30% من الإيرادات عن عامي 2016 و2017، و20% من الإيرادات عن الأعوام الممتدة من 2018 ولغاية 2034.
- الزوبعة الثانية!
تحويل المشروع من نظام الاستثمار B.O.T إلى نظام الرخصة، لم يمر بتلك السهولة، إذ إن الأمر احتاج إلى فترة زمنية ليست بالقليلة، وإلى حكومتين أيضاً، فعندما عرض المقترح على الحكومة الأولى للدكتور وائل الحلقي في العام 2013، اعترض وزير المالية آنذاك الدكتور محمد الجليلاتي على الدراسة المقدمة، معتبراً أنه على الشركتين دفع مبلغ وقدره 200 مليار ليرة لخزينة الدولة للحصول على ترخيص عمل، ولهذا فقد احتاج المشروع إلى حكومة الحلقي الثانية للحصول على الموافقة الرسمية، وكان له ذلك في العام 2014 وليبدأ العمل به مطلع العام التالي.
لكن لم تكد تمضي سوى أربع سنوات على المشروع بصيغته الاستثمارية الجديدة، حتى دخلت العلاقة بين الحكومة والشركتين منعطفاً آخر غير متوقع، وصل إلى مرحلة لجوء وزارة الاتصالات إلى القضاء وفرض حراسة قضائية على الشركتين، وذلك على خلفية اتهامهما بعدم تسديد مبلغ وقدره 233.8 مليار ليرة، كان مجلس المفوضين في الهيئة الناظمة للاتصالات قد طالب الشركتين بتسديده بغية تحقيق ما سمته الهيئة المذكورة “إعادة التوازن إلى الترخيص الممنوح لكلا الشركتين (سيريتل) و(MTN سورية)”، وهو ما اعتبره رئيس مجلس إدارة سيريتل آنذاك رامي مخلوف محاولة للسيطرة على الشركة، رغم إعلان سيريتل و MTN رغبتهما بتسديد المبالغ المترتبة على كل منها وفق جدولة خاصة، وهذا أيضاً ما دفع بشركة MTN الجنوب أفريقية إلى الإعلان في شهر شباط الماضي عن رغبتها ببيع حصتها في الشركة السورية البالغة 75%، تمهيداً لمغادرتها البلاد، خاصة وأن الإيرادات المتأتية من سوريا لا تشكل سوى نسبة محدودة جداً من إجمالي إيرادات الشركة الأم.
فما هو مستقبل مشروع الخليوي في سوريا في ضوء المتغيرات الأخيرة؟ وهل يمكن القول إن المشاركة الاستثمارية الخارجية في المشروع قد انتهت بعد التطورات الأخيرة؟؟ وماذا عن المشغل الثالث وتأثيره على الشركتين الحاليتين والسوق المحلية؟
جميعها تساؤلات تطرح اليوم من قبل شرائح وفئات شعبية مختلفة، إنما بالعموم ليست هناك رؤية حكومية واضحة حيال هذا الملف، وتالياً فإن مستقبل المشروع يرتبط بقدرة الحكومة على معالجة إشكاليات المشروع وضمان استمرارية عمله ضمن مستوى مقبول من الخدمات والجودة والمنافسة السعرية.