ما الذي ينتظر سوريا من الانفتاح الاقتصادي العربي المرتقب؟ وهل سيكون “رجال الأعمال الجدد” في سوريا هم المستفيدون من هذا الانفتاح؟ وماذا عن ماهية الاستثمارات العربية التي قد تجد طريقها إلى السوق السورية؟
بعيداً عن متاهات السياسة وحساباتها المتقلبة، فإن غياب الاستثمارات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، عن السوق السورية لأكثر من عشر سنوات، يجعل من طرح هذه الأسئلة وغيرها يبدو أمراً واجباً، لاسيما وأن الحديث عن الانفتاح الإقتصادي العربي على سوريا يترافق مع إشاعة حالة من التفاؤل حيال إمكانية تحسّن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسوريين جرّاء ذلك الانفتاح، والذي بدت مؤشّراته الأولية مع توقيع وزارة الكهرباء السورية اتفاقاً مع شركة إماراتية لإقامة محطة توليد كهروضوئية، وتشير المعلومات الخاصة بـ”أثر برس” إلى وجود شركة إماراتية ثانية تبحث إمكانية تنفيذ مشروع استثماري آخر.
ما المطلوب اقتصادياً؟
الإجابة على الأسئلة السابقة ستكون رهناً بالكشف عن تفاصيل ملفّين أساسين، الأول يتعلّق باستراتيجية الحكومة السورية في جذب الاستثمارات العربية لجهة القطاعات والمشروعات والفرص، التي ستكون لها الأولوية في المرحلة القادمة. إذ أن الأولوية هي أولاً لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال العربية، ثم يأتي التبادل التجاري ثانياً، والذي سيكون تطوره وزيادة قيمه تحصيل حاصل للإجراءات والقرارات الحكومية المتبادلة. وحسب ما يشير وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور سامر الخليل في تصريح خاص لـ “أثر برس” فأنه “من شأن هذا الانفتاح أن يجد من يلتقط إشاراته من قبل أولئك الذين يراقبون الوضع والتطورات في سوريا، بغية اختيار التوقيت الصحيح للاستثمار فيها، وتجنّب حدوث أي تأخير على هذا الصعيد لاقتناص الفرص المتاحة، ولا سيما ما يتعلّق منها بمشاريع إعادة الإعمار، وكل ذلك من شأنه تنشيط الدورة الاقتصادية، عبر زيادة الإنتاج، التصدير، توسيع نطاق الخدمات وتنوّعها، زيادة التوظيف، خلق الدخول، وبالتالي زيادة الطلب على السلع والخدمات، وتنشيط الأسواق المحلية، ومن ثمّ زيادة الموارد، وتحقيق التعافي الاقتصادي المنشود”.
أما الملف الثاني فهو يتمثّل في ماهية اهتمامات القطاع الخاص العربي بالفرص الاستثمارية المتاحة في سوريا. وقلنا القطّاع الخاص لأنه سيكون المعوّل عليه باعتراف الحكومات في تنشيط الاستثمارات البينية وتنميتها لاعتبارات عدة تتعلّق بمرونة عمله وتحرّره من بعض القيود والأنظمة. وبناء على ذلك فأن الخطوة الأولى، التي أعقبت لقاءات وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري في الإمارات العربية المتحدة مؤخّراً، تمثّلت بإصدار الدكتور الخليل قراراً سمّى بموجبه ممثلي الجانب السوري في مجلس الأعمال السوري-الإماراتي المشترك.
ومع ذلك، فأن الخطوة الأساسية المفترض بالحكومة تنفيذها اليوم تتلخّص في مراجعة وتقييم واقع المشروعات الاستثمارية العربية خلال فترة ما قبل الأزمة، للبناء على نتائج ذلك التقييم وتحديد الأولويات، فما نُقل عن بعض أعضاء وفد رجال الأعمال الذي زار مؤخراً معرض أكسبو في دبي يؤشّر إلى أن هناك عدم تنظيم في الطروحات الاستثمارية، فالبلاد بحاجة اليوم إلى استثمارات كبيرة في القطاع الزراعي، وفي قطاع الصناعات التحويلية لا سيما الغذائية منها، وليس في معامل الدواء، التي بات عددها يصل إلى حوالي 100 معمل!
لكن ما الذي يجعلنا مطمئنين إلى أن الاستثمارات العربية سوف تتدفّق علينا حالما توفرت التغطية السياسية لها؟
يجيب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية على هذا السؤال بالإشارة إلى أن سوريا، ورغم سنوات الحرب القاسية التي مرّت عليها، إلا أن اقتصادها لا يزال يملك العديد من نقاط القوة التي تجعله تحت الضوء، ولعل أهم هذه النقاط –حسب كلام الوزير- “هي تنوّع الاقتصاد السوري، وعدم اعتماده على مصدر واحد أو قطّاع واحد في تأمين موارده لتلبية احتياجاته، وغناه بالعديد من الثروات والمواد التي تشكّل مدخلات محلية هامة للكثير من المنشآت الإنتاجية. ونقطة القوّة الأخرى هي وجود البنية المؤسساتية والتي كانت بمثابة الوسادة التي حمت البلاد أثناء الحرب، إذ لطالما وُصفت سوريا بأنها دولة مؤسسات، وكان لهذه المؤسسات دوراً إيجابياً على صعيد استمرار تأمين الاحتياجات الأساسية واللازمة للعملية الإنتاجية، بالرغم من الصعوبات التي واجهتها، وعلى صعيد التأثير في حجم التغيّرات التي حدثت لسعر الصرف ومعدّل التضخّم، حيث بقي حجم هذه التغيّرات ضمن الحدود المقبولة قياساً بتلك التي كان من المتوقّع أن تحدث نتيجة الحرب والضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها.
ويُضاف إلى نقاط القوة التي سُبق ذكرها وجود قوانين وإجراءات جديدة تمّ أو يتم العمل عليها بهدف تهيئة المناخ اللازم لاستقطاب المستثمرين وتحسين بيئة الأعمال، وأهمها صدور قانون الاستثمار رقم /18/ لعام 2021 والذي تضمّن مزايا وحوافز هامة وغير مسبوقة على صعيد قوانين الاستثمار في المنطقة، إضافةً إلى الموقع الجغرافي المتميّز الذي جعل من سورية نقطة ارتكاز أساسية في حركة التجارة الإقليمية والدولية. مع عدم إغفال العامل البشري المتمثّل بالمواطن السوري العامل الذي يستطيع أن يمارس العديد من المهمّات في أنواع مختلفة من المشاريع، ويمتلك القوّة والصبر والقدرة على اكتساب المهارات وتطوير المعارف والقدرات”.
العقارات والسياحة
يأخذ على الاستثمارات العربية، وتحديداً الخليجية منها (المنفّذة وغير المنفّذة)، توجّه جزء هام منها خلال سنوات ما قبل الحرب نحو القطاعات العقارية والمالية والسياحية، وهي على أهميتها الاقتصادية في تأمين الخدمات، فرص العمل، وتحقيق عائد مالي كبير، إلا أنها جاءت على حساب مشروعات إنتاجية كانت البلاد بأمس الحاجة إليها في قطاعات الصناعة، الزراعة، الطاقة، وغيرها. فمثلاً تظهر التقديرات الخاصة أن تكاليف المشروعات الإماراتية ناهزت لغاية العام 2011 حوالي 20 مليار دولار من أبرزها: مشروع “مدينة بنيان” في جبل الشيخ بريف دمشق، وهو عبارة عن فنادق ومجمّعات سكنية بخطة استثمارية تصل لـ 15 مليار دولار على مدى 12 عاما من تاريخ البدء في 2006، مشروع “البوابة الثامنة” في منطقة الصبورة بريف دمشق، وهو عبارة عن بناء فندق سياحي ومحال تجارية وأبراج مكاتب وأبراج شقق سكنية وفيلات بكلفة 3.4 مليارات دولار، وهناك أيضاً مشروع الفطيم السياحي في المنطقة نفسها بكلفة مليار دولار. وكذلك الأمر بالنسبة للإستثمارات الكويتية، التي جاءت “مجموعة الخرافي” في مقدمتها بمجموعة استثمارات في السياحة والصناعة.
بنظرة عامة على واقع الاستثمارات العربية المشملة على قانون الاستثمار، تظهر بيانات هيئة الاستثمار السورية أن عدد المشروعات العربية المشملة على قوانين تشجيع الاستثمار يصل لحوالي 181 مشروعاً بكلفة استثمارية تبلغ حوالي 925 مليار ليرة. يتصدّر لبنان قائمة الدول العربية باستحواذ مستثمريه على 32% من إجمالي عدد المشروعات العربية المشملة، فالعراق بنسبة 31%، ثم الأردن ثالثاً بنسبة 15%. مع الإشارة إلى أن نتائج مسح الاستثمار الأجنبي، الذي جرى في العام 2009 وشمل جميع القطاعات باستثناء العقارات والمساكن، أظهرت أن أعلى نسبة استثمار أجنبي بعد السوريين هي السعودية بنسبة 5.95%، ثم الأردن بنسبة 5.33%، فلبنان بنسبة 4.71%
أما خلال الأزمة، فقد بلغ عدد المشروعات العربية المشمّلة حوالي 29 مشروعاً بكلفة قدرها حوالي 706 مليار ليرة، جاءت مشروعات المستثمرين اللبنانيين أولاً بنسبة 44%، وفلسطين في المرتبة الثانية بنسبة 17% من عدد هذه المشاريع.
وليس هذا فحسب، فالقائمة التي كان تصدرها هيئة الاستثمار السورية قبل الأزمة، والمتضمّنة قائمة كبار المستثمرين للمشروعات الاستثمارية المنفّذة وفق قوانين تشجيع الإستثمار وتتجاوز التكاليف الاستثمارية لكل منها نصف مليار ليرة، لم تكن تشمل في العام 2009 إلا مشروعين عربيين الأول سعودي والآخر كويتي.
يُذكر أن بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تشير إلى قيمة المستوردات السورية من الدول العربية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغت حوالي 460.330 مليون يورو، في حين بلغت قيمة الصادرات السورية إلى الدول العربية خلال الفترة نفسها حوالي 367.806 مليون يورو، أي أن الميزان التجاري السوري-العربي خاسر لصالح الدول العربية.