أثر برس

كتب زياد غصن.. ما خفيَ في ملفِّ تسليم القمح: أعطونا تفسيراً لهذه الأرقام

by Athr Press B

زياد غصن ـ خاص|| أثر

عامٌ آخر لا تتحققُ فيه أمنيةُ الحكومةِ بتسوق كميةٍ جيدةٍ من محصولِ القمحِ، على الرغم من أنَّ ما جرى تسوقُهُ هذا العامَ كانَ أفضل منَ العامِ الماضي، إذ تشيرُ البياناتُ الرسميةُ إلى أنَّ هناكَ زيادةً في كميةِ القمحِ المتسلَّم هذا العامِ للمؤسسةِ العامّةِ للحبوبِ بنسبةِ 42% مقارنةً مع كمياتِ العامِ الماضي.

رسمياً، جرى تبريرُ تراجعِ الكمياتِ المتسلَّمة مقارنةً بالتوقعات المعلَنة مع بدايةِ الموسمِ الزراعيِّ بتأثيراتِ موجةِ الجفافِ المستمرَّةِ للعامِ الثاني على التوالي، وهذا تبريرٌ موضوعيٌّ وواقعيٌّ ولا يمكنُ لأحدٍ أن يتجاهلَه، لكن في المقابلِ هناكَ عواملُ أخرى تتباينُ نسبتها بينَ منطقةٍ وأخرى، وأحياناً بينَ مزارعٍ وآخر، وهي تتعلَّق بتوفيرِ مستلزماتِ العمليةِ الزراعيةِ وقدرةِ المزارعينَ على الوصولِ إليها، والأهمُ ما يتعلّقُ بالتزامِ المزارعين بتسليمِ محصولِهم إلى المؤسسة العامة للحبوبِ، وما يكتنفُ ذلك من صعوباتٍ وعوائقَ تتعلّقُ بمدى قناعةِ المزارعِ بعدالةِ الأسعارِ المعتمدةِ حكومياً، فضلاً عن نشاط بعض الحلقات التجارية، والتي تغري المزارعين بالعروض السعرية التي تقدِّمُها لهم.

وقد يسألُ بعضهم: “ما الحقائقُ التي يمكنُ أن تدعمَ مثلَ هذا الاحتمالِ؟”.

وَفقَ البياناتِ الرسميةِ الصادرةِ عن وزارةِ الزراعةِ والمؤسسةِ العامةِ للحبوب، فإنَّ كمياتِ محصولِ القمحِ المسلَّمة من المزارعين إلى المؤسسة العامة للحبوب ومؤسسة إكثارِ البذارِ وصلت في نهاية شهر آب تقريباً إلى نحو 583 ألف طن، منها 518 ألف طن سُلِّمت لمؤسسة الحبوب، و64.6 ألف طن سُلِّمت لمؤسسة إكثار البذار.

المفاجأةُ في هذهِ الأرقامِ هي عند مقارنتها مع المساحاتِ المحصودة، والبالغة حتى ذلك التاريخ نحو 617 ألف هكتار، أي أن الحكومة تسلّمت نحو 944 كيلوغرام واحد عن كل هكتار تم حصده، وهي كمية أقل بكثير من متوسط إنتاجية الهكتار الواحد، والذي كان يبلغ وسطياً في العام 2011 نحو 2400 كيلو غرام للهكتارِ الواحد، إذا ما قارنّا الإنتاجَ المتحققَ آنذاك بالمساحة المزروعة.

هذا الاستنتاجُ يتباين بين محافظة وأخرى، فهناك محافظاتٌ حقّقت زيادة في كمية القمح المسلَّم قياساً إلى ما تم حصده كمحافظة حمص التي بلغ فيها متوسط كميات القمح المسلمة عن كل هكتار تم حصده نحو 1883 كيلوغرام، وكذلك حماة بنحو 1725 كيلو غرام، حلب بنحو 1151 كيلو غرام، الرقة 1019 كيلو غرام. أما أعلى كمية مسلمة عن كل هكتار فكانت في محافظة دير الزور 3582 كيلوغرام، لكن للأسف المساحةُ المحصودةُ كانت قليلةً والكميةُ المسلَّمة لم تتجاوز 43 ألف طن، وفي المرتبة الثانية جاءت محافظة ريف دمشق بنحو 2108 كيلو غرام، وللأسف أيضاً الكمية عموماً كانت قليلة والمساحة المحصودة محدودة.

في محافظات أخرى كان هناك ما يدعو للاستغراب جراء تدني الكميات المسلَّمة؛ فمثلاً في محافظة القنيطرة لم يتجاوز متوسط الكمية المسلمة عن كل هكتار نحو 910 كيلوغرام، في درعا 795 كيلوغرام، اللاذقية 848 كيلوغرام، إدلب 883 كيلوغرام.

وسجَّلت محافظةُ الحسكة أدنى كمية مسلمة، إذ لم يتجاوز وسطي المسلم 167 كيلوغرام، تلتها السويداء بنحو 200 كيلوغرام عن كل هكتار.

هناكَ ثلاثةُ احتمالاتِ لتراجُعِ الكمياتِ المُسلَّمة مقارنةً بالمساحات المحصودة في بعض المحافظات، وهذه الاحتمالات هي:

-تأثيراتُ الجفافِ وتأخّرُ عمليات الري وتوزيعُ الأسمدة على إنتاجية الهكتار الواحد منَ القمح، لكن كيف كانت الإنتاجيةُ جيدةً في محافظات أخرى، هل كانت خارجَ موجةِ الجفافِ؟ هل حصلَ مزارعوها باكراً على المازوتِ والأسمدةِ مثلاً؟

-توجُّه المزارعين إلى الاحتفاظِ بكميات أكبر من المعتاد سنوياً للمؤنة والزراعة، لكن هل الكميات المُحتفَظ بها تبرِّر هذا الفارق الكبير بين المساحات المحصودة والكميات المسلَّمة للمؤسستين الحكوميتين؟.

-الاحتمالُ الثالث وهو الأرجح أن بعضَ المزارعين باعوا محصولهم أو جزءاً منه إلى التجار بأسعار أعلى من تلك المعتمدة حكومياً، ومن دون تحمُّلهم أي نفقات تتعلق بالنقل وغيرها، وحسب بعض المعلومات فإن إعفاءَ وزير الزراعة أحد مديري الزراعة في المحافظات جاءَ على خلفية بعض المعلومات التي قاطعها الوزير شخصياً، إنما الأمر لا يرتبط فقط بجهة واحدة، فهناك جهاتٌ أخرى يجب أن تتحمَّلَ مسؤوليتها في هذا الملف، وربما يكون الوضع الأمني في بعض المحافظات كالسويداء ودرعا سبباً آخرَ في تشجيع المزارعين على بيع محصولهم للتجار أو بعض المهربين الذين ينشطون على الحدود مع تركيا والأردن.

إذا صحّت بيانات وزارة الزراعة المتعلِّقة بالمساحات المزروعة بالقمح وتلك المحصودة، فإنه من الضروري مناقشة هذا الملف بكل جرأة وموضوعية، ومحاسبة من يثبتُ تورطه أو إهماله في متابعة ملف القمح سواء كان فرداً في موقع ما من المسؤولية أم جهة حكومية، لاسيما وأن الظروف العالمية المتعلقة بإنتاج القمح وتسويقها لا تبدو أنها تتجه إلى الحلحلة، فكل الجهات الدولية تحذر من أزمة غذاء تلوح في الأفق القريب.

اقرأ أيضاً