خاص|| أثر برس ثمّة تطورات استجدت على الساحة العالمية وعلى التحالفات الدولية، غيّرت العديد من المعادلات والموازين السياسية بالشرق الأوسط بشكل عام وبدول الخليج بشكل خاص، تغيّر هذه المعادلات والموازين برز بوضوح في سوريا، التي باتت تشهد تقرباً خليجياً واضحاً منها، حيث تعرب الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار عن انزعاجها من التطبيع الخليجي مع سوريا، كما دفعت بعض المسؤولين الأمريكيين إلى طلب توضيح من إدارتهم لتفسير التقارب الحاصل بين حلفائهم العرب وسوريا.
وفي بداية ظهور هذه التحركات العربية إزاء سوريا، نشرت وسائل الإعلام الأجنبية العديد من التقارير التي أكدت خلالها أن فك العزلة عن سوريا وعودتها إلى محيطها العربي يجب أن يكون له مقابل، مشيرين إلى أن التطبيع العربي مع دمشق يجري دون أن تغيّر الأخيرة شيء بسياستها أو بتحالفاتها الخارجية.
التطبيع العربي مع سوريا كان مشروطاً:
أبرز محطات التطبيع مع الدولة السورية والتي أثارت حفيظة المسؤولين الأمريكيين، كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى دمشق في تشرين الثاني 2021، ليتم بعد هذه الزيارة بيومين الكشف عن الوثيقة السرية والتي أُطلق عليها اسم “لا ورقة”، بمبادرة أردنية – أمريكية، التي حددت شروط التطبيع العربي مع الدولة السورية، مؤكدة أن كل ما يجري هو بضوء أخضر أمريكي، وبحسب ما ذكرته الوثيقة السرية فإن “الهدف النهائي من التطبيع العربي مع دمشق هو خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا، وبعد سلسلة خطوات وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة” تشمل بداية، الحد من الوجود الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، والاعتراف بـ”المصالح الشرعية لروسيا”، وفقاً لما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.
لكن ما حدث بعد الكشف عن هذه الوثيقة كان مخالفاً تماماً لبنودها، فالانفتاح السوري – الإيراني وصل إلى أعلى مستوياته، فماهي المتغيرات طرأت وفرضت على الأطراف المختلفة تجاهل بنود وثيقة التطبيع مع سوريا؟
طرح بعض الخبراء وجهات نظر ارتبطت بمسألة الانسحاب الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط وإزاحته عن قائمة أولوياتها، والخلافات بين الولايات المتحدة ودول الخليج التي دفعت الأخيرة إلى التوجه باتجاه تنويع تحالفاتها والتخلص من الهيمنة الأمريكية عليها شيئاً فشيئاً، وفي هذا الصدد، يقول الخبير في سياسات الطاقة من واشنطن، أومود شكري: “تسعى دول الخليج إلى تنويع شراكاتها الدولية مع الانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة”.
أين سوريا من جميع هذه التطورات؟
عند الحديث عن تنوع تحالفات دول الخليج تتوجه الأنظار بالمرتبة الأولى إلى روسيا التي تجمعها مع هذه الدول مصالح مشتركة واتفاقيات عديدة أبرزها اتفاق أوبك، حيث أفاد تقرير نشرته مجلة “إنسايد أريبيا” الإلكترونية الأمريكية بأنه “بالرغم من أن أبو ظبي لا تزال تريد اللعب على كلا الجانبين، لكنها تسعى لتقليل اعتمادها على الهيمنة التقليدية لواشنطن في الشرق الأوسط، وبالتالي، قد تصبح الإمارات قناة حيوية لموسكو لتوسيع انتشارها الإقليمي”، وفي معرض الحديث عن نية الإمارات التقرب من موسكو وخلق قنوات تعاون معها في عدة مجالات تشير التقديرات إلى أن سوريا قد تكون هي بوابة التعاون مع موسكو في الشرق الأوسط، حيث نشر مركز “كارنيغي” للدراسات مؤخراً، مقالاً أشار خلاله إلى أهمية سوريا بالنسبة لروسيا هذه المرحلة، جاء فيه: “المؤكد الآن أكثر من ذي قبل هو أن الوجود الروسي في سوريا ليس مجرد مصلحة استراتيجية لموسكو ولكنه ضرورة وجودية”.
هل يمكن أن تساعد موسكو في الحد من الوجود الإيراني في سوريا؟
بالعودة إلى المشروع وثيقة الـ “لا ورقة” ومبادرة “خطوة بخطوة” التي تضمن شروط التطبيع مع الدولة السورية وفك عزلتها، وبالمرتبة الأولى تخفيف الوجود الإيراني في سوريا، قد يتبادر إلى الأذهان سيناريو مفاده أن التقارب بين دول الخليج وروسيا قد يهدف أيضاً إلى تخفيف هذا الحضور الإيراني، وذلك استناداً إلى بعض التحليلات الأجنبية التي تحرص على الترويج لفكرة التنافس الروسي – الإيراني في سوريا، وتعقيباً على هذا السيناريو واحتمالية تنفيذه تقول صحيفة “أتلانتيكو” البريطانية: ” العلاقات بين إيران وروسيا لا تقوم على المصالح المشتركة فحسب، بل تستند أيضاً إلى نظرة عالمية لمعارضة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة” وفي هذا السياق، يشير تقرير نشره “منتدى الخليج الدولي” إلى أن مسار العلاقات الروسية – الإيرانية يوصف بأنه إيجابي، مشيراً إلى أن “صادرات طهران إلى موسكو ارتفعت بنسبة 60% عام 2021، وتجاوز إجمالي التجارة بينهما 4 مليارات دولار، وسيستمر هذا الزخم الإيجابي إذا حصلت روسيا على إعفاءات من العقوبات، وبسبب عزلتها قد تكون أكثر استعداداً لبيع المعدات العسكرية، مثل نظام الدفاع الجوي “إس 400″، لإيران، وكما تعاونت روسيا وإيران بالرغم من أهدافهما الاستراتيجية المتضاربة، تبقى العلاقة بينهما على الأرجح قادرة على الصمود في وجه التحديات الحالية”.
أمام مجمل هذه التطورات يشير الخبراء إلى أنه ثمّة تطورات عالمية تشير إلى أننا متجهون إلى عالم متعدد الأقطاب، ما يفرض على معظم دول الشرق الأوسط، العمل على إعادة رسم سياساتها الخارجية وتحالفاتها من جديد استناداً إلى مصالحها التي تتماشى مع المرحلة الجديدة، بدل الاستناد إلى شروط وإملاءات خارجية.
زهراء سرحان