عندما بدأت العملية العسكرية الروسيّة الخاصة في أوكرانيا، في الرابع والعشرين من شباط الماضي، توقّع الكثيرون أن تكون الحرب تكتيكيةً خاطفةً لصالح موسكو، في سيناريو يعيد بالحسبان ما أحرزه الجيش الروسي من تفوّق خلال السيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2015، إذ كانت قواته أفضل تجهيزاً وتدريباً وتنظيماً بحسب مراقبين.
القوات الروسية بين السيطرة والانسحابات
على الرغم من أن الجيش الروسي تمكّن من السيطرة أخيراً على الأقاليم الأربعة في أوكرانيا؛ دونيتسك ولوغانسك في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، فضلاً عن منطقتي “خيرسون” و”زابورجيه” في الجنوب، غير أن جبهات ضواحي منطقتَي “خاركوف وإيزيوم”، قد شهدت في منتصف الشهر الماضي، انسحابات متسارعة للقوات الروسية، وصولاً إلى إخلاء الضفة الغربية لنهر “سيفيرسكي دونيتس” جنوب “إيزيوم”، بعد استعادة القوات الأوكرانية السيطرة على نحو 6000 كيلومتر مربع.
كما تمكّن الجيش الأوكراني من السيطرة على بلدة “ليمان”، شرق دونباس، بعد تهديد 4000 عسكري روسي بالحصار، وهذا أدى إلى انسحاب القوات الروسية من البلدة، بحسب ما أكدته وزارة الدفاع الروسية.
وفي حين يرى خبراء أن التفوّق الأوكراني ميدانياً، يرجع بسبب أخطاء القادة العسكريين الروس، غير أن هناك من يشير إلى أن ضعف الاستخبارات الروسيّة وعدم صحة تقديرها للموقف الراهن، كان السبب الأبرز، فما السرّ وراء تراجع القوات الروسيّة في أوكرانيا؟
مبدأ المهام الموكلة
وفقاً لوكالة “بلومبرغ”، يرجع التفوق الميداني لأوكرانيا إلى العديد من العوامل، من ضمنها الأسلحة الحديثة والتدريب المقدم لـ “كييف” من قبل حلفائها، والروح المعنوية الأفضل لجيشها، والقدرات العالية لقادتها، والمساعدات الاستخباراتية والتخطيطية التي قدمتها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الأخطاء التكتيكية من قبل قادة الجيش الروسي.
ويرى وزير الدفاع الأوكراني السابق، “أندريه زاغورودنيوك” أن “السبب الرئيس للتفوق الأوكراني قد يرجع إلى تجارب موسكو وكييف المختلفة في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، موضحاً أن” أبرز ما تميز به الجيش الأوكراني عن نظيره الروسي بعد هذه الفترة هو عمله بمبدأ المهام الموكلة، حيث يتم تسليم عملية صنع القرار إلى أدنى مستوى ممكن”.
ويعتمد مبدأ “المهام الموكلة”، على إعطاء المزيد من السلطات للجنود العاديين لاتخاذ القرارات اللازمة في ساحة المعركة، حيث يعلن القادة عن أهداف مهمة ما، ويتركون طريقة ومسؤولية تنفيذها إلى صغار الضباط، وهذا يسمح للقوات باتخاذ القرارات السريعة اللازمة دون الرجوع لقادتهم.
وفي هذا الصدد، يبيّن “زاغورودنيوك”، أنه “في صفوف القوات المسلحة الروسية، يتبع الجيش الروسي مبدأ سلطوياً وإمبراطورياً في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، على عكس ما يحدث تماماً في الجيش الأوكراني الذي يعتمد مبدأ متمرد وفردي يرتبط بالديمقراطية الليبرالية”.
ويتفق “ميكولا بيليسكوف”، الباحث في “المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية”، وهو مركز أبحاث حكومي أوكراني مع رأي “زاغورودنيوك” في هذا الشأن، حيث قال: “أعتقد أن تجربتنا منذ عام 1991 ساهمت كثيراً في تفوقنا الميداني الأخير، فقد أنقذتنا القرارات الذاتية، أو ما يعرف باسم “المهام الموكلة” من الخسارة والانهيار، لأن في كثير من الحالات تكون الجيوش بحاجة إلى الارتجال من أجل البقاء على قيد الحياة”.
إصلاحات تحويلية في الجيش
قال وزير الدفاع الأوكراني السابق: “كان الجيش من بين آخر المؤسسات التي تغيرت وتطورت في أوكرانيا، ومع ذلك كانت الإصلاحات التي تمت به “تحويلية”، مضيفاً أن “التدريب المقدم لكييف من قبل الناتو، وتطوير وحدة عسكرية جديدة من ضباط الصف على الطراز الأمريكي تتمتع بسلطات صنع القرار وتحظى باحترام أكبر، بالإضافة إلى ثماني سنوات من الخبرة في القتال في دونباس، ساهمت في النهاية لتصبح صورة الجيش الأوكراني مختلفة بشكل كبير عن روسيا”.
وبحسب “لزاغورودنيوك”، فإن الجيش الأوكراني استمر في القتال في “دونباس”، بشكل شبه يومي، لمدة ثماني سنوات متواصلة، من عام 2015، إلى اللحظة التي بدأت فيها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وأشار “زاغورودنيوك” إلى أن “هذا الصراع أرهق القوات الروسية، حيث أرسلت موسكو الكثير من قواتها المدربة للمنطقة، في حين أن الغالبية العظمى من الجنود الروس الذين جاءوا إلى أوكرانيا في شباط لم يسبق لهم أن شاركوا في الحرب، أما كييف، فقد كان لديها قوة عسكرية واسعة تلقت تدريبات مكثفة في السنوات الأخيرة.
وفي حين أن نتيجة الحرب لم تُحسم بعد، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين، أنّ “موسكو شنّت هجمات بصواريخ طويلة المدى على البنية التحتية الأوكرانية في مجالات الطاقة والاتصالات والدفاع، صباح اليوم، رداً على الهجوم الذي استهدف جسراً يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو، وتوعّد بأنّ الردّ على أيّ هجمات أخرى تقدم عليها كييف سيكون عنيفاً”، بحسب مانقلته وكالة “رويترز”.
أثر برس