خاص|| أثر يعد التوجه نحو الزراعة المنزلية مطلباً في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلد لتحقيق الاكتفاء الذاتي للعائلة وضمان أمنها الغذائي، فمن المعروف أن سعر شراء الفاكهة والخضار يتضمن تكلفة النقل والتي لم تعد منخفضة في ظل الغلاء العالمي والمحلي للوقود.
وفي الآونة الأخيرة، باتت بعض العائلات السورية تلجأ للزراعة المنزلية في ظل الغلاء والظروف المعيشية الصعبة، وقلة الدخل الشهري (الرواتب) لمعظم الناس.
ففي الشتاء تزرع نوال (معلمة مدرسة في دمشق) على سطح منزلها القرنبيط والسبانخ والخبيزة والفجل والجرجير والكزبرة والبقدونس والخس والبصل، وكانت مزروعاتها كافية لتحقيق الاكتفاء، وتقول لـ “أثر”: “أشتري في كل موسم الخضراوات التي لم أزرعها، إذ إن كلفتها مقبولة فسعر كل بذرة يختلف عن الأخرى؛ ولكنها لا تتعدى الـ 15 ألفاً للظرف الواحد وتنبت مدة عام كامل”.
وتعتبر نوال أن التوفير من الميزات المهمة في الزراعة المنزلية، وتضيف: “بكل تأكيد المزروعات وفرت؛ ولكن أيضاً الفكرة الحقيقية هي زراعة النباتات في بيئة نظيفة خالية من مياه الصرف والكيماويات والمبيدات”.
وتابعت: “بعض الناس يستخدم الأحواض المخصصة للزراعة، وآخرون يستخدمون أوعية البلاستيك والغالونات والقناني (الزجاجات الفارغة)، فالحاجة أم الاختراع”.
وذكرت نوال أن معظم جيرانها وأقربائها، أعجبتهم الفكرة، وباتوا يلجؤون لها، فزرعوا النعنع والبقدونس وغيرها من النباتات الورقية إما على الأسطح أو الشرفات، ووجدوا بذلك مكملاً لمتطلبات المنزل وحلاً مثالياً للاستغناء عن الشراء في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الخضار.
وتحتاج المزروعات بحسب نوال إلى الري كل يومين في الصيف، مع الانتباه إلى الحشرات ومعالجتها منزلياً من دون إدخال السموم واستعمال ملعقة ونصف المعلقة من الصابون السائل وتركه يذوب في ليتر ماء ويرش على الحشرات الضارة.
من جهتها، الباحثة في الهيئة العامة للبحوث الزراعية د.غادة قطمة بيّنت لـ “أثر” أن الإنتاج المنزلي من الخضار والفاكهة يوفر الكلفة الإضافية وتكاليف أخرى كأجور اليد العاملة والوسيط في تجارة المنتج الزراعي، مضيفة: “وهي عادة ليست غريبة عن مجتمعاتنا الريفية فقد اعتاد أجدادنا على إنتاج الخضروات والفاكهة في حدائق بيوتهم التي تكون في فسحات الدار أو الحدائق المحيطة لرغبتهم بتناول منتج نظيف.. ففي البيوت الريفية في معظمها مساحات صالحة للزراعة في محيط المنزل كما تتوفر الحدائق في الطوابق الأولى في المدن يمكن تخصيص جزء منها لزراعة الخضار والنباتات الطبية، كما أن زراعة الأسطح والشرفات التي تصنف ضمن الزراعات المنزلية منتشرة في دول كثيرة كمصر للتعويض عن عدم وجود مساحات مخصصة للزراعة في الطوابق العليا”.
ولفتت الباحثة قطمة إلى أن من أسهل الأنواع التي يمكن زراعتها بحدائق المنزل هي الخضار الورقية كالنعناع والبقدونس والخس والسبانخ والخبيزة والجرجير وبعض النباتات الطبية كالحبق وإكليل الجبل والمليسة وتقتصر الكلفة في هذه الزراعات على (تسميد التربة) قبل الزراعة بفترة ملائمة لا تقل عن شهر بالسماد البلدي ومن الممكن أن يكون متوفر في الريف، وعند تطبيق الزراعة المنزلية بالمدن يفضل استخدام المخصبات العضوية كسقاية أو رش ورقي لـتأمين الاحتياجات الغذائية للنبات.
وقالت لـ”أثر”: “عند التوجه نحو هذا النوع من الإنتاج يجب الإشارة إلى ضرورة التقليل من استخدام المواد الكيميائية للحد الأدنى لمنع حدوث تلوث أو سمية كون المكان أو المساحة محدودة ومن الممكن أن تكون في مرمى تحرك الأطفال، لذا في الدول المتقدمة تكون أغلب الزراعات المنزلية عضوية، وهنا يمكن تلافي الحاجة لاستخدام المبيدات باختيار الأنواع النباتية الملائمة للمنطقة والعناية بالمحصول منذ البداية ومراقبته”.
وفيما يخص الري، أوضحت الباحثة أن بعض البيوت الريفية مجهزة ببئر وفي حال كانت المساحة المزروعة جيدة نوعاً ما يمكن مد شبكة ري بالتنقيط وهذا يندرج ضمن المساعدات التي وزعتها بعض المنظمات كمنظمة الفاو كدعم للريف السوري وتنميته.
وأكدت الباحثة في الهيئة العامة للبحوث الزراعية د.غادة قطمة لـ “أثر” أن التوجه نحو الزراعة المنزلية يتطلب الاطلاع والمعرفة بالمحصول المراد زراعته والأصناف الملائمة وموعد ومسافات الزراعة والأمراض التي ممكن أن تصيب المحصول، وحاجته من الري لتلافي الوقوع في تجارب فاشلة أو خسارات والتخلص من بقايا المزروعات بعد الحصاد والاستفادة منها في تصنيع الكمبوست وبالتالي استخدامه كسماد وتقليل كلفة الإنتاج.
بمجمل القول إن ممارسة الزراعة المنزلية خطوة مهمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل الأزمات ويعرّف أفراد الأسرة بخطوات الزراعة ويحقق متعة خاصة للأطفال والشبان، بل إنّ بعضهم يطور العمل موسماً تلو الآخر لينتقل للزراعة بالأوعية البلاستيكية والزراعة الجدارية والمائية بعد تجهيز البنى التحتية وعندئذ يمكن الانتقال من مرحلة الكفاف إلى البيع وتحقيق الربح وإن اقتصر التسويق على الأسواق المحلية القريبة.
دينا عبد