مشاهد الحرائق التي اشتعلت فجر أول أمس الجمعة في عدة مناطق في محافظات اللاذقية وطرطوس وصولاً إلى حمص، كانت أشبه بحرب تفتك بكل من يقف بوجهها، وبحسب ما أكده شهود عيان، فإن هذه المشاهد كانت غير اعتيادية والنيران التهمت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية والحراجية، وخلفت خسائر عديد.
وهذا الحجم من الحرائق لا بد أنه تسبب بالكثير من الخسائر في العديد من المجالات، وإن كان من الصعب إحصاءها الآن بالأرقام المثبتة، لانشغال الجهات المختصة بإخماد النيران خلال هذه المرحلة.
من الناحية البشرية:
أكد محافظ اللاذقية إبراهيم خضر السالم، أن هذه الحرائق ألحقت الضرر بـ 143 قرية و27735 أسرة، وتسببت بوفاة 3 أشخاص إضافة إلى تسجيل عدة حالات حروق بينها حالة واحدة فقط من الدرجة الأولى و70 حالة اختناق، إلى جانب السكان الذين اضطروا إلى ترك منازلهم بعدما وصلت النيران إليها.
أما زراعياً:
أكد وزير الزراعة السوري حسان قطنا، أنه بعد ثلاثة أيام من اشتعال الحرائق وبالنظر إلى مئات الهكتارات التي طالتها الحرائق، يعتبر من الصعب الآن تحديد الخسائر، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت، حيث قدّرت المساحات المحروقة بمئات الهكتارات، ولهذه الحرائق ضرر كبير على التربة، لأنها تقتل الكائنات الحية المفيدة والمواد العضوية الموجودة في التربة.
كما أوضح الخبير الزراعي الدكتور مجد أيوب، أن الحرائق طالت مساحات واسعة من أشجار الزيتون، وقال: “نحن لن نخسر موسماً واحداً، بل ربما مواسم، فشجرة الزيتون في حال أصابها الحريق أو الشرر على أطرافها من الممكن أن تجدد نفسها خلال سنوات، ولكن، في حال أصاب الحريق لبها، فلا يمكن ذلك، وبالتالي نكون قد خسرناها بالكامل” مضيفاً: “أنه لا يمكن حصر أمر خسارة موسم الزيتون، إلا بعد إطفاء الحرائق بالكامل”.
اقتصادياً:
من الناحية الاقتصادية فأيضاً لا يوجد أرقام مثبته، لكن خسائره مرتبطة بأن سورية كانت قبل هذا الحريق متمكنة من تحقيق اكتفاء ذاتي من منتجات الزيتون والحمضيات، لكن الآن من المحتمل أن تضطر الدولة للاستيراد، العملية التي تواجه العديد من المصاعب نتيجة العقوبات المفروضة عليها.
ويؤكد الخبراء الزراعيون أن الحقائق العلمية تُثبت أن هذه الحرائق مُفتعلة، حيث نشر أستاذ علم المناخ في جامعة تشرين الدكتور رياض قره فلاح، عبر صفته الرسمية على فيسبوك “عندما يندلع 20 حريقاً ليل وفجر الجمعة في أماكن متفرقة ومتباعدة وداخلية في الغابة، وبشكل مخيف يصعب على رجال الإطفاء السيطرة عليها، وقبل يوم واحد من تحول الرياح إلى شرقية جافة جعلت من الرطوبة في المناطق الساحلية تنخفض حتى رقم متدن جداً يصل حتى دون 25%، فهذا يعني أن الحريق قام به شخص أو مجموعة أشخاص” مشيراً إلى “أنه يمكن أن تكون هناك جهة (مثقفة ومتعلمة) تتابع حالات الطقس وتفهم تماماً الأحوال الجوية التي تساعد فيها الرياح على حدوث أكبر امتداد للحرائق، وهي بذلك تدرك جيداً ما تفعل”.
وعن الحلول المطروحة، اقترح الخبير الزراعي أكرم عفيف الرئيس السابق لمكتب التنمية في منطقة الغاب، في حديث لـ”أثر برس” أن من الضروري تفعيل دور المجتمع المحلي في مكافحة الحرائق، والخطوة الأولى تكون بإقامة دورات تدريبية مجانية لأبناء القرى والأرياف حول كيفية مواجهة الحرائق والحد من انتشارها، والخطوة الثانية تكمن في مضاعفة أعداد الآليات المجهزة لإطفاء الحرائق ونشرها بشكل كثيف في الأرياف والمناطق الحراجية الغابات، أما الخطوة الثالثة فهي إعادة العمل بإقامة السدود السطحية والخزانات المطرية التي كانت تنتشر سابقاً في أريافنا بحيث يتم فيها تجميع مياه الأمطار خلال الشتاء للاستفادة منها صيفاً في إخماد الحرائق.
هذه ليست المرة الأولى التي تفتك بها النيران بالأراضي الزراعية والحراجية في سورية، فالقطاع الزراعي كان له نصيب كبير من الحرب السورية، فلم يمر سوى أشهر قليلة على حرق محاصيل القمح والشعير في أرياف الرقة والحسكة بأمر من الاحتلالين الأمريكي والتركي.